مَنْ تَوَلّى دَفْنَ الرّسُولِ
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: وَكَانَ الّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ، وَقُثَمُ بْنُ عَبّاسٍ، وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَهُنَاكَ صِرْت إلَى الْهُمُومِ وَمَنْ يَبِتْ
... جَارَ الْهُمُومُ يَبِيتُ غَيْرَ مُرَوّحِ
كَسَفْت لِمَصْرَعِهِ النّجُومُ وَبَدْرُهَا
... وَتَزَعْزَعَتْ آطَامُ بَطْنِ الْأَبْطَحِ
وَتَزَعْزَعَتْ أَجْبَالُ يَثْرِبَ كُلّهَا
... وَنَخِيلُهَا لِحُلُولِ خَطْبٍ مُفْدِحِ
وَلَقَدْ زَجَرْت الطّيْرَ قَبْلَ وَفَاتِهِ
... بِمُصَابِهِ وَزَجَرْت سَعْدَ الْأَذْبَحِ
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَرِقْت فَبَاتَ لَيْلِي لَا يَزُولُ
... دَلِيلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا
... أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ
لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلّتْ
... عَشِيّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرّسُولُ
وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمّا عَرَاهَا
... تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ
فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتّنْزِيلَ فِينَا
... يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُو جَبْرَئِيلُ
وَذَاكَ أَحَقّ مَا سَأَلَتْ عَلَيْهِ
... نَفُوسُ النّاسِ أَوْ كَرَبَتْ تَسِيلُ
نَبِيّ كَانَ يَجْلُو الشّكّ عَنّا
... بِمَا يُوحَى إلَيْهِ وَمَا يَقُولُ
وَيَهْدِينَا فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا
... عَلَيْنَا وَالرّسُولُ لَنَا دَلِيلُ
أَفَاطِمُ إنْ جَزِعْت فَذَاكَ عُذْرٌ
... وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي، ذَاكَ السّبِيلُ
فَقَبْرُ أَبِيك سَيّدُ كُلّ قَبْرٍ
... وَفِيهِ سَيّدُ النّاسِ الرّسُولُ
وَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِنَ وَرَجَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ إلَى رِحَالِهِمْ وَرَجَعَتْ فَاطِمَةُ إلَى بَيْتِهَا اجْتَمَعَ إلَيْهَا نِسَاؤُهَا، فَقَالَتْ:
اغْبَرّ آفَاقُ السّمَاءِ وَكُوّرَتْ
... شَمْسُ النّهَارِ وَأَظْلَمَ الْعَصْرَانِ