. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَكَانَتْ جَفْنَتُهُ يَأْكُلُ مِنْهَا الرّاكِبُ عَلَى الْبَعِيرِ وَسَقَطَ فِيهَا صَبِيّ، فَغَرِقَ أَيْ مَاتَ. وَكَانَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ قَبْلَ أَنْ يَمْدَحَهُ قَدْ أَتَى بَنِي الدّيّانِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ فَرَأَى طَعَامَ بَنِي عَبْدِ الْمَدَانِ مِنْهُمْ لُبَابُ الْبُرّ وَالشّهْدُ وَالسّمْنُ وَكَانَ ابْنُ جُدْعَانَ يُطْعِمُ التّمْرَ وَالسّوِيقَ وَيَسْقِي اللّبَنَ فَقَالَ أُمَيّةُ:
وَلَقَدْ رَأَيْت الْفَاعِلِينَ وَفِعْلَهُمْ
... فَرَأَيْت أَكْرَمَهُمْ بَنِي الدّيّانِ
الْبُرّ يُلْبَكُ بِالشّهَادِ طَعَامُهُمْ
... لَا مَا يُعَلّلُنَا بَنُو جُدْعَانَ1
فَبَلَغَ شِعْرُهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُدْعَانَ، فَأَرْسَلَ أَلْفَيْ بَعِيرٍ إلَى الشّامِ، تَحْمِلُ إلَيْهِ الْبُرّ وَالشّهْدَ وَالسّمْنَ وَجَعَلَ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى الْكَعْبَةِ: أَلَا هَلُمّوا إلَى جَفْنَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ، فَقَالَ أُمَيّةُ عِنْدَ ذَلِكَ:
لَهُ دَاعٍ بِمَكّةَ مُشْمِعَلّ
... وَآخَرُ فَوْقَ كَعْبَتِهَا يُنَادِي
إلَى رُدُحٍ مِنْ الشّيزَى عَلَيْهَا
... لُبَابُ الْبُرّ يُلْبَكُ بِالشّهَادِ2
وَكَانَ ابْنُ جُدْعَانَ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ صُعْلُوكًا تَرِبَ الْيَدَيْنِ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شِرّيرًا فَاتِكًا، وَلَا يَزَالُ يَجْنِي الْجِنَايَاتِ فَيَعْقِلُ عَنْهُ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ حَتّى أَبْغَضَتْهُ عَشِيرَتُهُ وَنَفَاهُ أَبُوهُ وَحَلَفَ أَلّا يُؤْوِيَهُ أَبَدًا لِمَا أَثْقَلَهُ بِهِ مِنْ الْغُرْمِ وَحَمَلَهُ مِنْ الدّيَاتِ فَخَرَجَ فِي شِعَابِ مَكّةَ حَائِرًا بَائِرًا، يَتَمَنّى الْمَوْتَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ فَرَأَى شَقّا فِي جَبَلٍ فَظَنّ فِيهِ حَيّةً فَتَعَرّضَ لِلشّقّ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَقْتُلُهُ فَيَسْتَرِيحَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَدَخَلَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ ثُعْبَانٌ عَظِيمٌ لَهُ عَيْنَانِ تَقِدَانِ كَالسّرَاجِينِ. فَحَمَلَ عَلَيْهِ الثّعْبَانُ فَأَفْرَجَ لَهُ فَانْسَابَ عَنْهُ مُسْتَدِيرًا بِدَارَةِ عِنْدَهَا بَيْتٌ فَخَطَا خُطْوَةٌ أُخْرَى، فَصَفَرَ بِهِ الثّعْبَانُ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ كَالسّهْمِ فَأَفْرَجَ عَنْهُ فَانْسَابَ عَنْهُ قُدُمًا لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنّهُ مَصْنُوعٌ،