. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الصّدّيقِ فَحَسُنَ لِمَا عَضّدَهُ مِنْ التّحْقِيقِ وَالتّحَرّي لِلْحَقّ وَالْبَعْدِ عَنْ الْمَلَقِ وَالْخِلَابَةِ وَذَلِكَ حِينَ عَهِدَ إلَى عُمَرَ بِالْخِلَافَةِ وَدَفَعَ إلَيْهِ عَهْدَهُ مَخْتُومًا، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَا فِيهِ فَلَمّا عَرَفَ مَا فِيهِ رَجَعَ إلَيْهِ حَزِينًا كَهَيْئَةِ الثّكْلَى: يَقُولُ حَمّلْتنِي عِبْئًا أَلّا أَضْطَلِعُ بِهِ وَأَوْرَدْتنِي مَوْرِدًا لَا أَدْرِي: كَيْفَ الصّدْرُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ الصّدّيقُ مَا آثَرْتُك بِهَا، وَلَكِنّي آثَرْتهَا بِك، وَمَا قَصَدْت مُسَاءَتَك، وَلَكِنْ رَجَوْت إدْخَالَ السّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِك، وَمِنْ هَاهُنَا أَخَذَ الْحُطَيْئَة قَوْلُهُ
مَا آثَرُوك بِهَا إذْ قَدّمُوك لَهَا
... لَكِنْ لِأَنْفُسِهِمْ كَانَتْ بِهَا الْإِثْرُ
وَقَدْ سَبَكَ هَذَا الْمَعْنَى فِي النّسِيبِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ الرّومِيّ، فَقَالَ:
وَأَحْسَنُ مِنْ عِقْدِ الْمَلِيحَةِ جِيدُهَا
... وَأَحْسَنُ مِنْ سِرْبَالِهَا الْمُتَجَرّدُ
وَمِمّا هُوَ دُونَ الْغُلُوّ وَفَوْقَ التّقْصِيرِ قَوْلُ الرّضِيّ:
حَلْيُهُ جِيدُهُ لَا مَا يُقَلّدُهُ
... ... وَكُحْلُهُ مَا بِعَيْنَيْهِ مِنْ الْكُحْلِ
وَنَحْوٌ مِنْهُ مَا أَنْشَدَهُ الثّعَالِبِيّ:
وَمَا الْحَلْيُ إلّا حِيلَةٌ مِنْ نَقِيصَةٍ
... يُتَمّمُ مِنْ حُسْنٍ إذَا الْحُسْنُ قَصّرَا
فَأَمّا إذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفّرًا
... فَحَسْبُك لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُزَوّرَا
وَسَمِعْت الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمّدَ بْنَ الْعَرَبِيّ يَقُولُ حَجّ أَبُو الْفَضْلِ الْجَوْهَرِيّ الزّاهِدُ ذَاتَ مَرّةٍ فَلَمّا أَشْرَفَ عَلَى الْكَعْبَةِ، وَرَأَى مَا عَلَيْهَا مِنْ الدّيبَاجِ تَمَثّلَ وَقَالَ: