قَالَ: "أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ" قَالَ فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَنَمْنَعَنّكَ مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَنَحْنُ وَاَللهِ أَهْلُ الْحُرُوبِ وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ . قَالَ فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ وَالْبَرَاءُ يُكَلّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرّجَالِ حِبَالًا، وَإِنّا قَاطِعُوهَا – يَعْنِي
عَنْ النّفْسِ وَتَجْعَلُ الثّوْبَ عِبَارَةً عَنْ لَابِسِهِ كَمَا قَالَ:
رَمَوْهَا بِأَثْوَابِ خِفَافٍ فَلَا تَرَى
... لَهَا شَبَهًا إلّا النّعَامَ الْمُنَفّرَا
أَيْ بِأَبْدَانِ خِفَافٍ فَقَوْلُهُ مِمّا نَمْنَعُ أُزُرَنَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ قَالَ الْفَارِسِيّ فِي قَوْلِ الرّجُلِ الّذِي كَتَبَ إلَى عُمَرَ مِنْ الْغَزْوِ يُذَكّرُهُ بِأَهْلِهِ:
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولًا
... فِدَى لَك مِنْ أَخِي ثِقَةٍ إزَارِي
قَالَ الْإِزَارُ كِنَايَةٌ عَنْ الْأَهْلِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْإِغْرَاءِ أَيْ احْفَظْ إزَارِي، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْإِزَارُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْسِهِ وَمَعْنَاهُ فِدَا لَك نَفْسِي، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَرْضِيّ فِي الْعَرَبِيّةِ وَاَلّذِي قَالَهُ الْفَارِسِيّ بَعِيدٌ عَنْ الصّوَابِ لِأَنّهُ أَضْمَرَ الْمُبْتَدَأَ وَأَضْمَرَ الْفِعْلَ النّاصِبَ لِلْإِزَارِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَبُعْدُ الْبَيْتِ مَا يَدُلّ عَلَى صِحّةِ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ:
قَلَائِصَنَا هَدَاك اللهُ مَهْلًا
... شُغِلْنَا عَنْكُمْ زَمَنَ الْحِصَارِ
فَنَصَبَ قَلَائِصَنَا بِالْإِضْمَارِ الّذِي جَعَلَهُ الْفَارِسِيّ نَاصِبًا لِلْإِزَارِ.
تَرْجَمَةُ الْبَرَاءِ
وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ يُكَنّى أَبَا بِشْرٍ بِابْنِهِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ وَهُوَ الّذِي أَكَلَ مَعَ رَسُولِ