وقدم خالد فنزل على غير ماء، فقالوا له فى ذلك، فأمر مناديه فنادى: ألا انزلوا وحطوا أثقالكم، ثم جالدوهم على الماء، فلعمرى ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين. فحطت الأثقال والخيل وقوف، وتقدم الرجل ثم زحف إليهم حتى لاقاهم، فاقتتلوا، وأرسل الله سبحانه سحابة فأغدرت ماء وراء صف المسلمين فقواهم بها، وما ارتفع النهار وفى الغائط مقترن.
وأرسل هرمز أصحابه ليغدروا بخالد، ثم خرج فنادى رجل: أين خالد؟ وقد عهد إلى فرسانه عهده. فلما برز خالد نزل هرمز ودعاه إلى البراز، فبرز خالد يمشى إليه، فالتقيا فاختلفا ضربتين واحتضنه خالد، وحملت حامية هرمز وغدرت، فاستلحموا خالدا فما شغله ذلك عن قتله.
وحمل القعقاع بن عمرو، واستلحم حماة هرمز، فأتاهم وخالد يماصعهم، فانهزم أهل فارس، وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل، وجمع خالد الرثاث والسلاسل، فكان وقر بعير، ألف رطل، فسميت ذات السلاسل.
قال: وكان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قدر أحسابهم فى عشائرهم، فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف، وتمام شرف أحدهم أن يكون من البيوتات السبعة، فكان هرمز ممن تم شرفه، فكانت قيمة قلنسوته مائة ألف، فنفلها أبو بكر، رحمه الله، خالدا، وكانت مفصلة بالجوهر.
وقال حنظلة بن زياد بن حنظلة: فلما تراجع الطلب من ذلك اليوم، نادى منادى خالد بالرحيل، وسار بالناس، واتبعته الأثقال حتى نزل موضع الجسر الأعظم من البصرة اليوم، وقد أفلت قباذ وأنوشجان، وبعث خالد بالفتح وما بقى من الأخماس وبالفيل، وقرئ الفتح على الناس، فلما قرئ فيه: «خرجت من اليمامة فى ألفين، وحشرت من ربيعة ومضر ثمانية آلاف، فقدمت فى عشرة آلاف على ثمانية آلاف مع الأمراء الأربعة: المثنى ومذعور وحرملة وسلمى» تمثل أبو بكر، رضى الله عنه:
تمنانا ليلقانا بقوم
... تخال بياض لامهم السرابا
فقد لاقيتنا فأريت يوما
... عماسا يمنع الشيخ الشرابا
تبدل علقما منا بحلو
... ينسيك الغنيمة والإيابا
إذا خرجت سوالفهن زورا
... كأن على حواركهن غابا
عليها كل متصل بمجد
... من الجهتين يلتهب التهابا