من بطن أمى، قال: فأين تريد؟ قال: ما أمامى، قال: وما هو؟ قال: الآخرة. قال: فمن أين أقصى أثرك؟ قال: صلب أبى، قال: ففيم أنت؟ قال: فى ثيابى، فقال خالد: إنه ليعقل! قال: أى والله وأفيد، فوجده حين فره عضا وكان أهل قريته أعلم به.
وقال خالد: قتلت أرض جاهلها، وقتل أرضا عالمها، القوم أعلم بما فيهم! فقال عمرو: والنملة أعلم بما فى بيتها من الجمل بما فى بيت النملة!.
قالوا: وكان مع ابن بقيلة منصف له متعلقا كيسا فى حقوه، فتناول خالد الكيس ونثر ما فيه فى راحته، وقال: ما هذا يا عمرو؟ قال: هذا وأمنة الله سمّ ساعة، قال: ولم تحتقبه؟ قال: خشيت أن تكونوا على غير ما رأيت، وقد أتيت على أجلى، والموت أحب إلىّ من مكروه أدخله على قومى. فقال خالد: إنه لن تموت نفس حتى تأتى على أجلها، وقال: بسم الله خير الأسماء، ورب الأرض والسماء، الذى ليس يضر مع اسمه داء، فأهووا إليه ليمنعوه، فبادرهم وابتلع السم، فقال عمرو: والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن.
وأقبل على أهل الحيرة، وقال: لم أر كاليوم أمرا أوضح إقبالا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر الحيرة وأنه أريها ورفعت له، وكأن شرف قصورها أضراس الكلاب، وأنها ستفتح على المسلمين. فسأله رجل يقال له: شويل، كرامة بنت عبد المسيح، فقال له: «هى لك إذا فتحت عنوة» ، يعنى الحيرة، فلما راوض أهل الحيرة خالدا على الصلح وأداء الجزية قام إليه شويل فذكر له ذلك وشهد له به، فأبى خالد أن يكاتبهم إلا على إسلام كرامة إلى شويل، فثقل ذلك عليهم، فقالت: هونوا عليكم وأسلمونى، فإنى سأفتدى، ففعلوا، وكتب خالد بينه وبينهم كتابا:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد عديا وعمرا ابنى عدى، وعمرو بن عبد المسيح، وإياس بن قبيصة، وحيرى بن أكال، وهم نقباء أهل الحيرة، ورضى بذلك أهل الحيرة وأمروهم به، وعاهدوهم على تسعين ومائة ألف درهم، تقبل فى كل سنة جزاء عن أيديهم فى الدنيا، رهبانهم وقسيسيهم، وجماعتهم، إلا من كان غير ذى يد، حبيسا عن الدنيا، تاركا لها، وسائحا تاركا للدنيا، وعلى المنعة، فإن لم يمنعهم فلا شىء عليهم حتى يمنعهم، وإن غدروا بقول أو فعل فالذمة منهم بريئة. وكتب فى شهر ربيع الأول سنة اثنتى عشرة» .
فاستخف أهل الحيرة بهذا الكتاب وضيعوه، فلما نقض أهل السواد بعد موت أبى