وقال القعقاع فى ذلك اليوم:
ألم ينه عنا غى فارس أننا
... منعناهم من ريفهم بالصوارم
وأنا أناس قد تعود خيلنا
... لقاء العادى بالحتوف القواصم
وروزا قتلنا حيث أرهف حده
... وكل رئيس زاريا بالعظائم
تركنا حصيدا لا أنيس بجوه
... وقد شقيت أربابه بالأعاجم
وإنى لراج أن تلاقى جموعهم
... غديّا بإحدى المنكرات الصوادم
ألا أبلغا أسماء أن خليلها
... قضى وطرا من روزمهر الأعاجم
وسار أبو ليلى ابن فدكى بمن معه ومن قدم عليه نحو الخنافس وبها المهبوذان، فلما أحس بهم هرب هو ومن معه إلى المصيخ «1» وبه الهذيل بن عمران، فلما انتهى الخبر إلى خالد بمصاب أهل الحصيد «2» وهرب أهل الخنافس كتب إلى القعقاع وأبى ليلى وعروة وواعدهم ليلة وساعة يجتمعون فيها على المصيخ، وهو بين حوران والقلت، وخرج خالد من العين قاصدا للمصيخ على الإبل يجنب الخيل، فلما كان فى تلك الساعة من ليلة الموعد اتفقوا جميعا معه بالمصيخ، فأغاروا على الهذيل ومن معه ومن أوى إليهم، وهم نائمون، أتوهم بالغارة من ثلاثة أوجه، فقتلوهم، وامتلأ الفضاء قتلى، فما شبهوا إلا غنما مصرعة، وأفلت الهذيل فى أناس قليل، وقد كان حرقوص بن النعمان بن النمر بن قاسط محضهم النصح، وأجاد الرأى، فلم ينتفعوا بتحذيره، وذلك أن حرقوصا قال قبل الغارة:
ألا فاسقيانى قبل خيل أبى بكر
... لعل منايانا قريب ولا ندرى
ألا فاسقيانى بالزجاج وكررا
... علينا كميت اللون صافية تجرى
أظن خيول المسلمين وخالدا
... ستطرقكم عند الصباح إلى البشر
فهل لكم فى السير قبل قتالهم
... وقبل خروج المعصرات من الخدر
أرينى سلاحى يا أميمة إننى
... أخاف بيات القوم مطلع الفجر «3»
وكان حرقوص معرسا بامرأة من بنى هلال تدعى أم تغلب، فقتلت تلك الليلة، وقد تقدم من حديث عدى بن حاتم فيما مضى من هذا الكتاب، قال: أغرنا على المصيخ، وإذا رجل يدعى حرقوص بن النعمان بن النمر، وإذا حوله بنوه وامرأته، وبينهم جفنة من