المثنى بن حارثة الشيبانى إلى أهل فارس قبل صلاة الصبح، من الليلة التى مات فيها أبو بكر، رضى الله عنه، ثم أصبح فبايع الناس، وعاد فندب الناس إلى فارس، وتتابع الناس على البيعة ففزعوا فى ثلاث، كل يوم يندبهم فلا ينتدب أحد، وكان وجه فارس من أكره الوجوه إليهم، وأثقلها عليهم، لشدة سلطانهم وشوكتهم وعزهم وقهرهم الأمم.
قالوا: فلما كان فى اليوم الرابع عاد ينتدب الناس إلى العراق، فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود، وسعد بن عبيد القارى، حليف الأنصار، وتتابع الناس.
قال القاسم بن محمد: وتكلم المثنى بن حارثة، فقال: يا أيها الناس، لا يعظمن عليكم هذا الوجه، فإنا قد تبجحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير شقى السواد، وشاطرناهم ونلنا منهم، واجترأ من قبلنا عليهم، ولها إن شاء الله ما بعدها.
وقام عمر، رضى الله عنه، فى الناس، وقال: إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك، أين المهاجرين عن موعود الله، عز وجل، سيروا فى الأرض التى وعدكم الله فى كتاب بأن يورثكموها، فإنه قال: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، والله مظهر دينه، ومعز ناصره، ومولى أهله مواريث الأمم. أين عابد الله الصالحون!.
فلما اجتمع ذلك البعث، وكان أولهم، كما تقدم أبو عبيد، ثم ثنى سعد بن عبيد أو سليط بن قيس، قيل لعمر، رحمه الله: أمر عليهم رجلا من السابقين من المهاجرين والأنصار. فقال: لا والله لا أفعل، إن الله تعالى إنما رفعكم بسبقكم وسرعتكم إلى العدو، فإذا جبنتم وكرهتم اللقاء، فأولوا الرياسة منكم من سبق إلى الدفع وأجاب الدعاء، لا والله لا أؤمر عليهم إلا أولهم انتدابا.
ثم دعا أبا عبيد، ودعا سليطا وسعدا، فقال لهما: أما إنكما لو سبقتماه لوليتكما ولأدركتكما بها إلى ما لكما من القدمة. فأمر أبا عبيد على الجيش، وقال له: اسمع من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، وأشركهم فى الأمر، ولا تجيبن مسرعا حتى تتبين، فإنها الحرب، لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذى يعرف الفرصة والكف، ثم قال له: إنه لم يمنعنى أن أؤمر سليطا إلا تسرعه إلى الحرب، وفى التسرع إليها إلا عن بيان ضياع، والله لولا ذلك لأمرته، ولكن الحرب لا يصلحها إلا المكيث.
ويروى أن عمر انتخب من أهل المدينة ومن حولها ألف رجل، أمر عليهم أبا عبيد، فقيل له: استعمل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا ها الله ذا يا أصحاب النبى، لا