وفيما ذكره سيف من الأحاديث أن أبا عبيد لما نزل خفان مع المثنى أقام بها أياما ليستجم أصحابه، وقد اجتمع إلى جابان بشر كثير، وخرج أبو عبيد بعد ما جم الناس وطهرهم، وجعل المثنى على الخيل، فنزلوا على جابان بالنمارق فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزم الله أهل فارس، وأسر جابان، أسره مطر بن فضة أحد بنى تيم الله، وأسر مردان شاه، أسره أكتل بن شماخ العكلى، فأما أكتل فإنه ضرب عنق مردان شاه، وذلك أنه سأله: ما اسمك؟، فيما ذكره المدائنى، فقال له: مردان شاه. قال: وما مردان شاه؟ قال:
ملك الرجال. قال: لا جرم والله لأقتلنك، فقتله. وأما مطر بن فضة فإن جابان خدعه وهو لا يعرفه، وكان جابان شيخا كبيرا، فقال لمطر: إنكم معشر العرب أهل وفاء، فهل لك أن تؤمننى وأعطيك غلامين أمردين خفيفين فى عملك وكذا وكذا، قال: نعم، قال:
فأدخلنى على ملككم حتى يكون ذلك بمشهد منه، فأدخله على أبى عبيد، فتم له على ذلك وأجاز ذلك أبو عبيد، فعرفه ناس فقالوا لأبى عبيد: هذا الملك جابان، وهو الذى لقينا بهذا الجمع، فقال أبو عبيد: فما تأمروننى، أيؤمنه صاحبكم وأقتله أنا، معاذ الله من ذلك.
وفى رواية: إنى أخاف الله إن قتلته، وقد أمنه رجل من المسلمين فى الذمة والتود والتناصر كالجسد، ما لزم بعضهم لزم كلهم. فقالوا: إنه الملك، قال: وإن كان لا أعذر به، فتركه، وقال له: اذهب حيث شئت.
وهرب أصحاب جابان حين أسر إلى كسكر ونرسى بأسفلها. وكانت كسكر قطيعة له، وكان النرسيان له، يحميه لا يأكله بشر، إلا ملك فارس، أو من أكرموه فيه بشىء، ولا يغرسه غيرهم، فكان ذلك مذكورا من فعلهم فى الناس، وأن ثمرهم هذا حمى، فقال رستم وبوران لنرسى: أشخص إلىّ قطيعتك فأحمها من عدوك وعدونا وكونن رجلا، فلما انهزم الناس يوم النمارق، ووجهت الفالة نحو نرسى، ونرسى فى عسكره، نادى أبو عبيد بالرحيل، وقال للمجردة: اتبعوهم حتى تدخلوهم عسكر نرسى، أو تبيدوهم فيما بين النمارق إلى بارق درونى «1» .
ومضى أبو عبيد حين ارتحل من النمارق حتى ينزل على نرسى بكسكر، والمثنى فى تعبئته التى قاتل فيها جابان، وقد أتى الخبر رستم وبوران بهزيمة جابان، فبعثوا إليه الجالينوس، وبلغ ذلك نرسى وأهل كسكر وباروسما ونهر جوبر والزوابى، فرجوا أن يلحق قبل الوقعة، وعالجهم أبو عبيد، فالتقوا أسفل من كسكر بمكان يدعى السقاطية،