شاء الله، قصدا للتهذيب وحرصا على الجمع بين الإمتاع والإيجاز بحول الله سبحانه.
وأفتتح بما افتتح به المدائنى هذه القصة للذى ذكرته من حسن اتصال حديثه.
قال: ولما فتح أبو عبيد ما فتح، وهزم تلك الجنود، ونزل الحيرة، ورجعت المرازبة إلى يزدجرد منهزمين، شمتهم، وأقصاهم، ودعا بهمن ذا الحاجب فعقد له على اثنى عشر ألفا، وقال له: قدم هؤلاء الذين انهزموا، فإن انهزموا فاضرب أعناقهم، ودفع إليه درفش كايبان، راية كانت لكسرى فكانوا يتيمنون بها، وكانت من جلود النمور، عرضها ثمانية أذرع فى طول اثنى عشر ذراعا، وأعطاه سلاحا كثيرا، وحمل معه من أداة القتال وآله الحرب أوقارا من الإبل، ودفع إليه الفيل الأبيض، فخرج فى عدة لم ير مثلها.
وفى كتاب سيف أن رستم هو صاحب ذلك، وأنه الذى رجع إليه الجالينوس ومن أفلت من جنده بناء على ما قدمنا من الاختلاف فى ملك فارس إلى من كان حينئذ.
قال: فقال رستم: أى العجم أشد على العرب فيما ترون؟ قالوا: بهمن جاذويه، وهو ذو الحاجب، فوجهه ومعه الفيلة، ورد جالينوس معه. وذكر بعض ما تقدم.
وبلغ المسلمون مسيرهم، فقال المثنى لأبى عبيد: إنك لم تلق مثل هذا الجمع ولا مثل هذه العدة، ولمثل ما أتوك به روعة لا تثبت لها القلوب، فارتحل من منزلك هذا حتى نعبر الفرات ونقطع الجسر وتصير الفرات بينك وبينهم فتراهم، فإن عبروا إليك قاتلتهم، واستعنت الله، قال: إنى لأرى هذا وهنا، ثم أخذ برأى المثنى فعبر الفرات ونزل المروحة وقطع الجسر، وأقبل بهمن فنزل قس الناطف، بينه وبين أبى عبيد الفرات، وأرسل إلى أبى عبيد: إما أن تعبر إلينا، وإما أن نعبر إليك. فقال أبو عبيد: نعبر إليكم. فقال المثنى أذكرك الله والإسلام أن لا تعبر إليهم، فحلف ليعبرن إليهم، ودعا ابن صلوبا فعقد له الجسر فقال سليط بن قيس الأنصارى: يا أبا عبيد أذكرك الله ألا تركت للمسلمين مجالا، فإن العرب من شأنها أن تفر ثم تكر، فاقطع هذا الجسر وتحول عن منزلك وانزل أدنى منزل من البر وتكتب إلى أمير المؤمنين فتعلمه ما قد أجلبوا به علينا، ونقيم فإذا كثر عددنا وجاء مددنا رجعنا إليهم وبنا قوة، وأرجو أن يظهرنا الله عليهم. قال: جبنت والله يا سليط. قال: والله إنى لأشد منك بأسا، وأشجع منك قلبا، ثم تقدم فعبر، فقال المثنى لأبى عبيد: والله ما جبن، ولكن أشار بالرأى، وأنا أعلم بقتال هؤلاء منك، لئن عبرت إليهم فى ضيق هذا المطرد ليجزرن المسلمين هذا العدو. وقال: والله لأعبرن إليهم، وكان رسول بهمن قد قال: إن أهل فارس قد عيروهم، يعنى المسلمين، بالجبن