عهد عمر، فكان بعد إذا قرأ: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ الأنفال: 16 ، خنقته العبرة وبكى، فكان عمر يقول: أنا لكم فئة.
وكان عمر، رضى الله عنه، قد رأى فى النوم أن أبا عبيد وأصحابه انتهوا إلى ضرس من الحيرة فتحيروا ولم يجدوا مخرجا، فرجعوا فلم يجدوا طريقا، فرفعوا إلى السماء، فقال عمر: هذه شهادة، فليت شعرى ما فعل عدوهم؟ فكان يتوقع الخبر حتى قدم عبد الله بن زيد الخطمى فأخبره، فبكى وقال: ما وجهت أحدا وجها أكره إلىّ من الوجه الذى توجه إليه أبو عبيد.
وقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عبيد يرثى أبا عبيد ومن أصيب معه، وهو ابن عم أبى عبيد وأخو بنى حبيب الثلاثة المقتولين معه من أمرائه:
أنى تهدت نحونا أم يوسف
... ومن دون مسراها فياف مجاهل
إلى فتية بالطف نيلت سراتهم
... وغرى أفراس بها ورواحل
وأضحى بنو عمرو لدى الجسر منهم
... إلى جانب الأبيات حزم ونابل
وأضحى أبو جبر خلا ببيوته
... بما كان تعدوه الضعاف الأرامل
ألا قد علت قلب الهموم الشواغل
... وراجعت النفس الأمور القواتل
سيعلم أهل الغىّ كيف عزيمتى
... ويعلم ودادى الذين أواكل
غناى وأخذى بالذى أنا أهله
... إذا نزلت بى المعضلات العضائل
فما رمت حتى خرقوا برماحهم
... ثيابى وجادت بالدماء الأباجل
وما رمت حتى كنت آخر راجع
... وصرع حولى الصالحون الأماثل
وقد غادرونى فى مكر جيادهم
... كأنى غادتنى من الراح شامل
وأمسى على سيفى نزيف ومهرتى
... لدى الفيل تدمى نحرها والشواكل
فما لمت نفسى فيهم غير أنها
... إلى أجل لم يأتها وهو عاجل
مررت على الأنصار وسط رحالهم
... فقلت لهم هل منكم اليوم قافل
ألا لعن الله الذين يسرهم
... رداى وما يدرون ما الله فاعل
وقال أبو محجن أيضا:
يا عين جودى على جبر ووالده
... إذا تحطمت الرايات والحلق
يوم بيوم أتى جبر وإخوته
... والنفس نفسان منها الهول والشفق