سلبه، فلم يأخذ زيد من سلبه إلا السيف، نفله إياه الأمير، فكان زيد يقول: من يشترى سيفا وهذا أثره، ويخرج يده الجذماء فيريها، وقد قيل إن غلاما نصرانيا من بنى تغلب هو الذى قتل مهران، فالله أعلم.
وهزم المشركون فأتوا الفرات، واتبعهم المسلمون، فانتهوا إلى الجسر، وقد عبرت طائفة من المشركين الجسر، فحالوا بين الباقين وبينه، فأخذوا يمينا وشمالا، فقاتلهم المسلمون حتى أمسوا، واقتحم طائفة الفرات فغرق بعضهم ونجا بعض، ورجع المسلمون عنهم حين أمسوا، فعبر من بقى منهم الجسر، ثم قطعوه فأصبح المسلمون فعقدوه واتبعوهم حتى بلغوا بيوت ساباط، ثم انصرفوا وصلبوا مهران على الجسر.
ويقال: إن المثنى قطع الجسر أولا ليمنع أهل فارس العبور، ثم ندم على ذلك وقال:
لقد عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتى إياهم إلى الجسر وقطعه حتى أحرجتهم، فإنى غير عائد فلا تعودوا ولا تعتدوا بى أيها الناس، فإنما كانت زلة، لا ينبغى إخراج أحد إلا من لا يقوى على الامتناع.
ولما افترق الأعاجم على شاطئ الفرات مصعدين ومصوبين واعتورتهم خيول المسلمين أكثروا القتل فيهم حتى جعلوهم جثاء، فما كانت بين العرب والعجم وقعة كانت أقوى رمة منها.
حدث أبو روق قال: والله إن كنا لنأتى البويب، يعنى بعد ذلك بزمان، فنرى ما بين السكون وبنى سليم عظاما بيضاء تلولا تلوح من هامهم وأوصالهم نعتبر بها. قال:
وحدثنى بعض من شهدها أنهم كانوا يحرزونها مائة ألف.
واقتسم المسلمون ما أفاء الله عليهم، ونفلت بجيلة وجرير ما جعل لهم عمر بن الخطاب وحمل الخمس أو باقى الخمس، وجلس المثنى للناس يحدثهم ويحدثونه لما فرغوا، وكلما جاء رجل فتحدث قال له المثنى: أخبرنى عنك، فقال قرط بن جماح العبدرى:
قتلت رجلا فوجدت منه رائحة المسك فقلت: مهران، ورجوت أن يكون إياه، فإذا هو شهريرار صاحب الخيل فو الله ما رأيته إذ لم يكن مهران شيئا. وكان قرط قد قاتل يومئذ حتى دق قنى وقطع أسيافا.
وقال ربعى وهو يحدث المثنى: لما رأيت ركود الحرب واحتدامها قلت: تترسوا بالمجان فإنهم شادّون عليكم فاصبروا لشدتين وأنا زعيم لكم بالظفر فى الثالثة، فأجابونى فولى الله كفالتى.