أكرمه الله وأعانه حتى قبضه إليه راضيا مرضيا عنه، وقد ابتلينا بالذى ولينا مما لا طاقة لنا بحفظه والقيام عليه إلا بتحنن القوى ذى العزة والعظمة، وقد علمت أن فارس ستقبل إليك بمرازبتها وبأسها وعددها، فإياك والمناظرة لجموعهم، والقادسية على ما وصفت لى منزل جامع، والجد الجد على الذى أنت عليه، واكتب إلىّ بجمعهم الذى زحفوا إليك به، ومن رأسهم الذى يسندون إليه أمرهم، وكم بين أدنى عدوك منك وبين ملكهم، واجعلنى من أمرهم على الجلية، فإنك بحمد الله على أمر وليه وناصره، والله ناصر من نصره، وقد توكل لهذا الأمر بما لا خلف له، والله متم أمره، ومن يرد الله به صلاحا يلهمه رشده فيما أعطاه، ويبصره الشكر لنعمته، والعمل بطاعته، والعرفان لأداء حقوقه، ومن يكن بتلك المنزلة يعنه الله على حسن نيته، ويعطه أفضل رغبته، وإنما يستوجب كرامة الله بتمام ننعمته من عصم له دينه، وإنما يصلح الله النية لمن رغب فيما عنده وأذعن لطاعة ربه، وإن منازل عباد الله عنده على نياتهم، فأكثر ذكر الله، وكن منه على الذى رغبك إليه وفيه، فإن فى ذلك رواحا للمستريح ونجاحا تجد فيه غدا نفع ما قدمت، فإنك ممن أرغب له فى الخير ويعنينى أمره للمكان الذى أنت فيه من عدو الإسلام، نسأل الله لنا ولك إيمانا صادقا، وعملا زاكيا.
فكتب إليه سعد وقد علم بأن رستم هو الذى تعين لحرب العرب وقود جيوش فارس، وأنه قد زحف إلى المسلمين ودنا منهم، إذ كان سعد وجه عيونا إلى الحيرة فرجعوا إليه بالخبر. فكتب به فيما أجاب به عمر، رضى الله عنهما:
أتانى كتابك بما ذكرت من أبى بكر، رحمة الله عليه، ولم يكن أحد يذكر من أبى بكر شيئا إلا وقد كان أفضل من ذلك، فبوأه الله غرف الجنة، وعرف بيننا وبينه، وإنك عامل من عمال الله، فاستعن بالله وشمر، وليس شىء أهم عندى ولا أنا أكثر ذكرا لما نحب أن نكون عليه من الذى أمرتنا به، والله ولى العون على ذلك، وقد قدم علينا عظيم من عظمائهم يقال له رستم بالخيل والفيول والعدد والعدة والقوة، فيما يرى الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبيننا وبينه خمسة عشر ميلا، وبينه وبين ابن كسرى بأبيض المدائن نيف على ثلاثين فرسخا، ولنا من عدونا النصف إن شاء الله، ولن يزال منا عندك كتاب يخبرنا إن شاء الله، فاستنصروا الله لنا بالدعاء والتضرع خفية وجهرا، فإن الله يعطى من سعة ويأخذ بقدرة ويفعل ما يشاء.
وكان عمر، رحمه الله، قد أمر بموالاة الكتب إليه بكل شىء، فكان سعد يكتب إليه فى كل يوم.