ولا أسوأ ذات بين منكم، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحى فيكفونناكم لا نغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم، فإن كان عدد لحق فلا يغرنكم منا، وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم.
فأسكت القوم.
فقام المغيرة بن زرارة النباش الأسدى، فقال: أيها الملك، إن هؤلاء رؤس العرب ووجوههم، وهم أشراف يستحيون من الأشراف، وإنما يكرم الأشراف الأشراف، ويعظم حقوق الأشراف الأشراف، وتفخم الأشراف الأشراف، وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك، ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك، فجاوبنى لأكون الذى أبلغك، ويشهدون على ذلك، أنك قد وصفتنا، فأما ما ذكرت من سوء الحال، فما كان أحد أسوأ حالا منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، فنرى ذلك طعاما. وأما المنازل فإنما هى ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضا، ويغير بعضنا على بعض، فإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهى حية كراهية أن تأكل من طعامنا، فكانت حالتنا قبل اليوم على ما ذكرت لك، وبعث الله إلينا رجلا معروفا، نعرف نسبه، ونعرف وجهه ومولده، فأرضه خير أرضنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته أعظم بيوتنا، وقبيلته خير قبائلنا، وهو بنفسه كان خيرنا فى الحال التى كان فيها أصدقنا وأجملنا، فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد، أول من ترب له كان الخليفة من بعده، فقال وقلنا، وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا، فلم يقل شيئا إلا كان، فقذف الله فى قلوبنا اتباعه والتصديق له، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا به فهو أمر الله، فقال لنا: إن ربكم يقول: إنى أنا الله وحدى لا شريك لى، فكنت إذ لم يكن شىء وكل شىء هالك إلا وجهى، وأنا خلقت كل شىء وإلىّ مصير كل شىء، وأن رحمتى أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التى بها أنجيكم بعد الموت من عذابى، ولأحلكم دارى، دار السلام، فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الله، وقال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ثم أمنعوهم مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه، فأنا الحكم بينكم. فمن قتل منكم أدخلته الجنة، ومن بقى منكم أعقبته النصر على من ناوأه، فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجو بنفسك. فقال: أتستقبلنى بمثل هذا؟
فقال: ما استقبلت إلا من كلمنى، ولو كلمنى غيرك لم أستقبلك به. فقال: لولا أن