بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا، أنا كفيل لك بذلك على جميع من ترى. قال:
أسيدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمين فيما بينهم كالجسد بعضهم من بعض، يجير أدناهم على أعلاهم. فخلص رستم برؤساء أهل فارس، فقال: ما ترون؟ هل سمعتم كلاما قط أوضح نصرا ولا أعز من كلام هذا الرجل؟ قالوا: معاذ الله أن تميل إلى شىء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه فقال: ويحكم لا تنظروا إلى الثياب، ولكن انظروا إلى الرأى والكلام والسيرة، إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب، ليسوا مثلكم فى اللباس، ولا يرون فيه ما ترون. وأقبلوا إليه يتناولون سلاحه ويزهدونه فيه، فقال لهم: هل لكم أن ترونى فأريكم؟ فأخرج سيفه من خرقة كأنه شعلة نار. ثم رمى ترسا ورموا حجفته، فخرق ترسهم وسلمت حجفته. فقال: يا أهل فارس، إنكم عظمتم الطعام والشراب، وأنا صغرناهما، ثم رجع إلى أن ينظروا إلى الأجل.
فلما كان الغد بعثوا: أن ابعث إلينا ذلك الرجل، فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن، فأقبل فى نحو ذلك الزى، حتى إذا كان على أدنى البساط، قيل له: أنزل، قال: ذلك لو جئتكم فى حاجتى، فقولوا لملككم: أله حاجة أم لى؟ فإن قال لى فقد كذب، ورجعت عنه، وتركتكم، وإن قال له، لم آته إلا على ما أحب. فقال: دعوه، فجاء حتى وقف عليه ورستم على سريره، فقال له: انزل، قال: لا أفعل، فلما أبى سأله: ما بالك جئت ولم يجئ صاحبنا بالأمس؟ قال: إن أميرنا يحب أن يعدل بيننا فى الشدة والرخاء، فهذه نوبتى. قال: ما جاء بكم؟ قال: الله عز وجل منّ علينا بدينه، وأرانا آياته حتى عرفناه وكنا له منكرين. ثم أمرنا بدعاء الناس إلى واحدة من ثلاث، فأيها أجابوا إليه قبلناه:
الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء ونمنعكم إن احتجتم إلى ذلك، أو المنابذة. فقال: أو الموادعة إلى يوم. فقال: نعم، ثلاثا من أمس.
فلما لم يجد عنده إلا ذلك رده، وأقبل على أصحابه فقال: وليكم ألا ترون ما أرى؟
جاءنا الأول بالأمس فغلبنا على أرضنا، وحقر ما نعظم، وأقام فرسه على زبرجنا وربطه به، فهو فى يمن الطائر، ذهب بأرضنا وما فيها إليهم، مع فضل عقله. وجاءنا هذا اليوم فوقف علينا، فهو فى يمن الطائر سيقوم على أرضنا دوننا، فراده أصحابه الكلام حتى أغضبوه وأغضبهم.
فلما كان من الغد أرسل: أبعثوا إلينا رجلا، فبعثوا إليه المغيرة بن شعبة. قالوا: فلما جاء إلى القنطرة يعبرها إلى أهل فارس حبسوه واستأذنوا رستما فى إجازته، فأذن فى ذلك، فأقبل المغيرة والقوم فى زيهم فى الأمس، لم يغيروا شيئا من شارتهم، تقوية