قال رستم: ارجع إلى أصحابك واستعدوا للحرب، فليس بيننا وبينكم صلح، ولنفقأن عينك غدا.
فقال المغيرة: وأنت ستقتل غدا إن شاء الله، وإن ما قلت لى ليسرنى، لولا أن أجاهدكم بعد اليوم لسرنى أن تذهبا جميعا.
ورجع المغيرة فتعجبوا من قوله. فقال رستم: ما أظن هذا الملك إلا قد انقضى، وأن أجمل بنا ألا يكون هؤلاء أصبر منا، ولقد وعدوا وعدا ليموتن أو ليدركنه، ولقد حذروا وخوفوا من الفرار خوفا لا يأتونه، وقد رأيت ليلتى هذه كأن القوس التى فى السماء خرت، وكأن الحيتان خرجن من البحر، وأن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم، فهل لكم أن تقبلوا بعض ما عرضوا عليكم؟ قالوا: لا.
قال: فأنا رجل منكم، وكتب إلى يزدجرد بما كلمه به المغيرة، فقال شاهين الأزدى:
لو لم يكن إلا ساسة دوابنا لأخذناهم بهم. فكتب إليه أمره بقتالهم، وقال: إذا لقيتهم فضع الرجال فيما بينى وبينك، على كل ربوة رجلا، فكلما حدث أمر نادى به بعضهم بعضا حتى يفضى الخبر إلىّ.
وحدث سيف «1» عن رجاله، قالوا: أرسل إليهم سعد بقية ذوى الرأى جميعا، وحبس الثلاثة، فخرجوا حتى أتوه، فقالوا له: إن أميرنا يقول لك: إن الحرب تحفظ الولاة، وإنى أدعوك إلى ما هو خير لنا ولك، وهى العاقبة بأن تقبل منا ما دعاك الله، عز وجل، إليه، ونرجع إلى أرضنا، وترجع إلى أرضك وبعضنا من بعض، إلا أن داركم لكم، وأمركم فيكم، وما أصبتم مما وراءكم كان زيادة لكم دوننا، وكنا لكم عونا على أحد إن أرادكم أو قوى عليكم. واتق الله يا رستم، ولا يكونن هلاك قومك على يديك، فإنه ليس بينك وبين أن تغتبط إلا أن تدخل فيه وتطرد به الشيطان عنك.
فقال رستم: إنى قد كلمت منكم نفرا، ولو أنهم فهموا عنى رجوت أن تكونوا قد فهمتم، وإن الأمثال أوضح من كثير من الكلام، وسأضرب لكم مثلكم. إنكم كنتم أهل جهد فى المعيشة، وقشف فى الهيئة، لا تمتنعون ولا تنتصفون، فلم نسئ جواركم، ولم ندع مواساتكم، تقتحمون المرة بعد المرة، فنميركم ثم نردكم، وتأتوننا أجراء وتجارا فنحسن إليكم، فلما تطعمتم طعامنا، وشربتم شرابنا، وأظلكم ظلنا، وصفتم ذلك لقومكم، ثم دعوتموهم فأتيتمونا بهم، وإنما مثلكم فى ذلك ومثلنا كمثل رجل كان له