حتى حمل رجل منهم على أسوار فطعنه فقتله، ونادى: يا آل جعفى، السلاح تنفد فيهم فشأنكم بهم، ونحو هذا قول عمرو بن معدى كرب فى ذلك اليوم، وقد رماه رجل من أهل العجم بنشابة، فوقعت فى كتفه، وعليه درع حصينة، فلم تنفد، وحمل هو على الرجل فعانقه ثم صرعه قفتله، وقال:
أنا أبو ثور وسيفى ذو النون
... أضربهم ضرب غلام مجنون
يا زيد إنهم يموتون
ولم يكن عمرو ولا قومه يجهلون أن القوم يموتون، ولكنه الشعر تحسن فيه هذه المآخذ، ويملح بهذه المقاصد.
ومثله قول الآخر:
القوم أمثالكم لهم شعر
... فى الرأس لا ينشرون إن قتلوا
ويفوق هذا كله قول الله سبحانه، ولكتابه المثل الأعلى: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً النساء: 104 . وقد بعدنا عما كنا بسبيله، فلنعد إليه.
قالوا: لما كتبت الكتائب بعد الطراد، وتزاحف الناس، صرفت الأعاجم فيولها نحو المسلمين، فوجهت إلى الوجه الذى فيه بجيلة ثلاثة عشر فيلا، وصفوا على سائر الناس سبعة عشر، ولما حمل أصحاب الفيلة تفرقت الكتائب، وابذعوت الخيل، وكادت بجيلة تؤكل، فرت خيلها نفارا، فأرسل سعد إلى بنى أسد: يا بنى أسد ذببوا على بجيلة ومن لافها من الناس، فخرج طليحة بن خويلد، وحمال بن مالك الأسدى وغالب بن عبد الله والرفيل بن عمرو فى كتائبهم فباشروا الفيلة، حتى عزلها ركبانها، وإن على كل فيل يومئذ عشرين رجلا.
وقال موسى بن طريف: قام طليحة فى قومه حين استصرخهم سعد، فقال: يا عشيرتاه، إن المنوه باسمه، الموثوق به، أنتم، وإن هذا، يعنى سعدا، لو علم أن أحدا أحق بإغاثة هؤلاء منكم لاستغاثهم، ابدؤهم الشدة، وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة، فإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعلهم، شدوا ولا تصدوا، وكروا ولا تفروا، لله در ربيعة أى فرى يفرون وأى قرن يغنون هل يوصل إلى مواقفهم فأغنوا عن مواقفكم أعانكم الله، شدوا عليهم باسم الله. فقام المعرور بن سويد وشقيق، فشدوا والله عليهم فما زالوا يضربونهم