يا إخوتى إن العجوز الناصحه
... قد نصحتنا إذ دعتنا البارحه
مقالة ذات بيان واضحه
... فباكروا الحرب الضروس الكالحه
وإنما تلقون عند الصالحه
... من آل ساسان كلابا نابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحه
... وأنتم بين حياة صالحه
أو موتة تورث غنما رابحه
وتقدم فقاتل حتى قتل، رحمه الله، ثم حمل الثانى وهو يقول:
إن العجوز ذات حزم وجلد
... والنظر الأوفق والرأى السدد
قد أمرتنا بالسداد والرشد
... نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب حماة فى العدد
... إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم عز الأبد
... فى جنة الفردوس والعيش الرغد
فقاتل حتى استشهد، رحمه الله، ثم حمل الثالث وهو يقول:
والله لا نعصى العجوز حرفا
... قد أمرتنا حدبا وعطفا
نصحا وبرا صادقا ولطفا
... فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفوا آل كسرى لفّا
... وتكشفوهم عن حمالكم كشفا
فقاتل حتى استشهد، رحمه الله، وحمل الرابع وهو يقول:
لست لخنساء ولا لاخزم
... ولا لعمر وذى السناء الأقدم
إن لم أرد فى الجيش جيش العجم
... ماض على الهول خضم خضرم
إما لفوز عاجل ومغنم
... أو لوفاة فى السبيل الأكرم
فقاتل حتى قتل، رحمة الله عليه وعلى إخوته، فبلغ الخبر أمهم، فقالت: الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم، وأرجو من ربى أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته، فكان عمر، رضى الله عنه، يعطى الخنساء بعد ذلك أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد مائتى درهم، حتى قبض، رحمه الله.
فهذا ما ذكره الزبير بن بكار، والذى قبله ذكره المدائنى، رحمهما الله، ولعل الخبرين صحيحان، والله أعلم أى ذلك كان. ثم ذكر المدائنى، بعد، من حسن بلاء بنى أسد وانطواء الفرس عليهم فى مجال الفيلة ما قد ذكرناه قبل فى موضعه.
وذكر، أيضا، أن الأشعث بن قيس قال عند ما اشتد قتالهم: لله در بنى أسد، أى فرى يفرون، وأنتم تنظرون، يا معشر كندة.