وقال زهرة بن جوية: يا بنى تميم، قد صبر إخوانكم من بنى أسد، وأحسنوا فذودوا عنهم الفيلة وحماتها، فحمل زهرة فى بنى تميم، وجرير فى بجيلة، فكشفوا المشركين عن بنى أسد، وقد استشهد منهم خمسون رجلا، وتحاجزوا قريبا من العصر، فجمعوا بين الصلاتين ثم عاودوا القتال مطاردة ومشاولة حتى غابت الشمس.
والتقى حنظلة بن الربيع الأسيدى ذو الحاجب فاختلفا طعنتين، فصارا جميعا إلى الأرض، فضرب حنظلة ذا الحاجب على رأسه فصرعه، فحامت عنه الأساورة، حتى ركب، وحامى عن حنظلة القعقاع بن عمرو، أحد بنى يربوع، وذريح، أحد بنى تيم اللات، حتى ركب، فقال ذريح:
لما رأيت الخيل شك نحورها
... رماح ونشاب صبرت جناحا
على الموت حتى أنزل الله نصره
... وود جناح لو قضى فأراحا
كأن سيوف الهند حول لبانه
... بوارق غيث من تهامة لاحا
قال: وأصيبت يومئذ عين المغيرة بن شعبة، وتحاجزوا حين أمسوا، فرجع المسلمون إلى عسكرهم، ورجع رستم إلى عسكره. هذا ما ذكره المدائنى.
ويقال: إن القعقاع لم يشهد يوم أرماث هذا، وإنما قدم من الشام بعد انقضائه، فشهد سائر الأيام وأبلى فيها، وسيأتى ذكر ذلك إن شاء الله.
وذكر سيف عن بعض رجاله أن سعدا كان قد تزوج سلمى بنت خصيفة، امرأة المثنى بن حارثة، كما تقدم، فنزل بها القادسية، فلما كان يوم أرماث، وجال الناس، جعل سعد يتململ ويجول فوق القصر، وكان لا يطيق جلوسا إلا على بطنه، فلما رأت سلمى ما يصنع أهل فارس قالت: وامثنياه ولا مثنى للخيل اليوم، وهى عند رجل قد أضجر ما يرى من أصحابه ومن نفسه، فلطم وجهها، وقال: أين المثنى من هذه الكتيبة التى تدور عليها الرحى!، يعنى أسدا، وعاصما، فقالت: أغيرة وجبنا؟ قال: والله لا يعذرنى أحد اليوم إذا أنت لم تعذرينى وأنت ترين ما بى، فالناس أحق ألا يعذرونى!.
فلما ظهر المسلمون لم يبق شاعر إلا اعتد بها عليه، وكان غير جبان ولا ملوم، رضى الله عنه.
وكانت القادسية فى شوال سنة خمس عشرة، وابتداء أيامها يوم الاثنين لثلاث ليال خلون من شوال أو لأيام بقين منه، وقيل كانت فى المحرم سنة أربع عشرة، والأول أصح وأولى بالصواب إن شاء الله تعالى.