وقد كان عاصم بن عمرو أمر أن يصنع مثلها، فجاؤا من قبل خفان، فتقدم الفرسان وتكتبت الكتائب، فاختلف الطعن والضرب، ومدد المسلمين متتابع، فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى إليهم هاشم، وقد طوى فى سبعمائة، فأخبروه برأى القعقاع وما صنع فى يومه، فعبأ أصحابه سبعين سبعين، فلما نجز آخر أصحاب القعقاع خرج هاشم فى سبعين معه، فيهم قيس بن هبيرة المرادى، وهو ابن المكشوح، فأقبل هاشم حتى إذا خالط القلب، كبر وكبر المسلمون، وقد أخذوا مصافهم، وقال هاشم:
أول القتال المطاردة ثم المراماة، فأخذ قوسه، فوضع سهما ثم نزع فرفعت فرسه رأسها، فخل أذنيها، فضحك وقال: وا سوأتاه من رمية رجل ينتظره كل من رآه، أين ترون سهمى كان بالغا؟ فقيل: العتيق. فنزقها وقد نزع السهم عن أذنيها، ثم ضربها حتى وقفت على العتيق، ثم ضربها فأقبلت تخرقهم حتى عاد إلى موقفه، وقيل: إنه نزل عن فرسه وفعل ذلك راجلا، فالله أعلم.
وما زالت مقانبه تطلع وقد بات المشركون فى علاج توابيتهم حتى أعادوها على الفيلة، فأصبحوا على موافقهم، وأقبلت الفيلة معها الرجالة يحمونها أن تقطع وضنها، ومع الرجالة فرسان يحمونهم، إذا أرادوا كتيبة دلفوا إليها بفيل وأتباعه، لينفروا بهم خيلهم، فلم يكن ذلك منهم كما كان بالأمس؛ لأن الفيل إذا كان وحده ليس معه أحد كان أوحش، وإذا طافوا به كان آنس، فكان الفيل كذلك حتى عدل النهار.
ولما قدم قيس بن المكشوح مع هاشم، قام فيمن يليه فقال: يا معشر العرب، إن الله، عز وجل، قد من عليكم بالإسلام، وأكرمكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فأصبحتم بنعمته إخوانا، دعوتكم واحدة وأمركم واحد، بعد إذ أنتم يعدو بعضكم على بعض عدو الأسد، ويختطف بعضكم بعضا اختطاف الذئاب، فانصروا الله ينصركم، وتنجزوا من الله تعالى فتح فارس، فإن إخوتكم من أهل الشام قد أنجز الله تعالى لهم فتح الشام، وانتثال القصور الحمر والحصون الحمر.
وخرج يوم عماس رجل من العجم حتى إذا كان بين الصفين هدر وشقشق ونادى:
من يبارز؟ فخرج إليه رجل من المسلمين يقال له: شبر بن علقمة، وكان قصيرا دميما، فقال: يا معشر المسلمين، قد أنصفكم الرجل، فلم يجبه أحد، ولم يخرج إليه أحد، فقال:
أما والله لولا أن تزدرونى لخرجت إليه، فلما رأى أنه لا يمنع أخذ سيفه وجحفته، ثم تقدم، فلما رآه الفارسى هدر، ثم نزل إليه فاحتمله، فألقاه ثم جلس على صدره ثم أخذ سيفه ليذبحه، ومقود فرسه مشدود بمنطقته، فلما استل السيف حاص الفرس حيصة