وأكب المسلمون على من ثبت لهم وعلى من سفل منهم عن الردم ومن ارتفع عنه فقتلوا منهم ستين ألفا، فقتلوا يوم القادسية مائة ألف سوى من قتلوا فى الأيام قبله.
قالوا: فلما انكشف أهل فارس، فلم يبق منهم بين الخندق والعتيق أحد، وطبقت القتلى ما بين قديس والعتيق أمر سعد زهرة بن جوية باتباعهم، فنادى زهرة فى المقدمات وساروا، وأمر سعد القعقاع بمن سفل، وشرحبيل بمن علا، وأمر خالد بن عرفطة بسلب القتلى وبدفن الشهداء ليلة الهرير ويوم القادسية، ألفين وخمسمائة، وقيل: ثلاثة آلاف، من وراء العتيق بحيال مشرق، ودفن شهداء الأيام الثلاثة قبل ذلك على مشرق، ويقال:
كانوا ألفين وخمسمائة، وجمعت الأسلاب والأموال، فجمع منها شىء لم يجمع قبله ولا بعده، وأرسل سعد إلى هلال بن علفة فدعا له، فقال: أين صاحبك؟ يعنى رستما. قال:
رميت به تحت بغل، فقال: اذهب فجئ به، فذهب فجاء به. فقال له سعد: جرده إلا ما شئت، فخذ سلبه، فلم يدع عليه شيئا، ويقال: إنه باع الذى سلبه بسبعين ألفا، وكان قد تخفف حين وقع فى الماء، ولم توجد قلنسوته، وكانت قيمتها مائة ألف.
وجاء نفر من العباد حتى دخلوا على سعد، فرأوا رستما ببابه مطروحا، فقالوا: أيها الأمير، رأينا جسد رستم على باب قصرك وعليه رأس غيره، وكأن الضرب قد شوهه، فضحك سعد، وخرج زهرة فى آثار أهل فارس، فانتهى إلى الردم وقد تبعوه ليمنعوهم به من الطلب، فقال زهرة لبكير بن عبد الله الليثى، وهو الذى يقال له فارس أطلال، وهو اسم فرس له كان يعرف بها: يا بكير، أقدم، وكان يقاتل على الإناث، فضرب فرسه، وقال: ثبى أطلال، فتجمعت وقالت: وثبا وسورة البقرة ثم وثبت ووثب زهرة، وكان على حصان، وتتابع ذلك ثلاثمائة فارس، فلحق زهرة بالقوم والجالينوس فى آخرهم يحميهم، فشاوله زهرة، فاختلفا ضربتين، فقتله زهرة، وأخذ سلبه، وقتل أولئك الفرار ما بين الخرارة إلى السيلحين إلى النجف، ورجع زهرة فى أصحابه حين أمسوا، فباتوا بالقادسية، ولما رجع القعقاع وشرحبيل إلى سعد، قال لشرحبيل: اغد فى طلب القعقاع، وقال للقعقاع: اغد فى طلب شرحبيل فعلا هذا، وسفل هذا، حتى بلغا مقدار الخرارة من القادسية.
قال الشعبى: خرج القعقاع وأخوه وشرحبيل فى طلب من ارتفع وسفل، فقتلوهم فى كل قرية وأجمة وشاطئ نهر، ورجعوا، فوافوا صلاة الظهر، وهنأ الناس أميرهم، وأثنى على كل حى خيرا، وذكره منهم.