وقال سعيد بن المرزبان «1» : أصاب أهل فارس يومئذ بعد ما انهزموا ما أصاب الناس قبلهم، قتلوا حتى إن كان الرجل من المسلمين ليدعو الرجل منهم فيأتيه حتى يقوم بين يديه فيضرب عنقه، وحتى إنه ليأخذ سلاحه فيقتله به، وحتى إنه ليأمر أحد الرجلين منهم بقتل صاحبه.
وقال بعض من شهدها: أبصر سلمان بن ربيعة الباهلى أناسا من الأعاجم تحت راية لهم قد حفروا لها وجلسوا تحتها، وقالوا: لا نبرح حتى نموت، فحمل عليهم فقتلهم وسلبهم، وكان سلمان فارس الناس يوم القادسية، وأحد الذين مالوا بعد الهزيمة على من ثبت، وكذلك أخوه عبد الرحمن بن ربيعة، ذو النور، مال على آخرين قد تكتبوا ونصبوا للمسلمين، فطحنهم بخيله.
وقال الشعبى: كان يقال لسلمان أبصر بالمفاصل من الجازر بمفاصل الجزور.
وقال بعض بنى معرض: ما رأينا مثل أهل القادسية، هزمناهم فاتبعناهم وهم على خيولهم كأنها فى طين، ونحن على أرجلنا كأنا ظباء، ولقد أدركنا رجلا يعدو به فرسه فصحنا به، فلم يتحرك، فأخذناه أسيرا.
قال أبو وائل، وشهدها: لقد سمعت الفرس يقولون ما تقطع سيوفنا الشعر، ولقد نزع منا النصر.
وقال الأسود النخعى «2» : شهدت القادسية، فلقد رأيت غلاما منا من النخع يسوق ستين أو ثمانين رجلا من أبناء الأحرار، وأتى رجل سعدا فقال: تجعل لى ثلث ما أجيئك به؟ قال: نعم. فأتاه بأساورة قد أسرهم، فقال له سعد: كيف أخذت هؤلاء وحدك؟
قال: صحت بهم وهم منهزمون فوقفوا لم يمتنع منهم أحد، فجعل سعد يتعجب.
وكان سعد أجرأ الناس وأشجعهم، إنه نزل قصرا غير حصين يشرف منه على الناس ويرى قتالهم، وصف المسلمين إلى أصل حائط القصر، ولو أعراه الصف فواق ناقة أخذوا برمته. فو الله ما كربه هول تلك الأيام، ولا أغلقه. ودخل إليه فى اليوم الرابع رجل من بجيلة فقال: أبا إسحاق إن الناس قد جبنوك وقالوا: لم يمنعك من الخروج الوجع، قال: ما أخاف ذلك على نفسى، أو ما ترى ما بى، وسأخرج، وكان به حبون ودماميل لا يستطيع أن يقر لها إلا مكبا على صدره، فركب فرسا فانتهى إلى باب القصر