وقد تبوأ فيه حمام، فطرن فنفر الفرس فشب، فانفجر ما كان من قروحه وخرج، فوقف وحض المسلمون وقال: لا تكون هذه الأعاجم أصبر على المقارعة منكم، واعلموا أن القوم ملوا إن كنتم مللتم، فنشط الناس.
وفى حديث غير هذا أن جريرا البجلى قال فى ذلك اليوم:
أنا جرير كنيتى أبو عمرو
... قد نصر الله وسعد فى القصر
وقال رجل من المسلمين، أيضا:
نقاتل حتى أنزل الله نصره
... وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد أمت نساء كثيرة
... ونسوة سعد ليس فيهم أيم
فلما بلغ ذلك من قولهما سعدا خرج إلى الناس فاعتذر إليهم وأراهم ما به من القروح فى فخذيه، فعذره الناس، وقال سعد يجيب جريرا من أبيات:
وما أرجو بجيلة غير أنى
... أؤمل أجرهم يوم الحساب
وفى حديث يروى عن قيس بن أبى حازم «1» ، وكان شهد تلك الحرب أن الفرس لما انهزموا لحقوا بدير قرة وما وراءه، ونهض سعد بالمسلمين حين نزل بدير قرة على من هناك من الفرس، وقدم عليه بالدير عياض بن غنم فى ألف رجل من الشام مددا لهم، فأسهم لهم سعد مع المسلمين فيما أصابوا بالقادسية، ثم إن الفرس هربت من دير قرة إلى المدائن يريدون نهاوند، واحتملوا معهم الذهب والفضة والديباج والفرند والحرير والسلاح وثياب كسرى، وخلوا ما سوى ذلك، وأتبعهم سعد الطلب، فبعث خالد بن عرفطة ووجه معه عياض بن غنم فى أصحابه، وجعل على مقدمة الناس هاشم بن عتبة، وعلى ميمنتهم جرير بن عبد الله وعلى الميسرة زهرة بن جوية، وتخلف سعد لما به من الوجع.
فلما أفاق من وجعه أتبع الناس بمن بقى معه من المسلمين حتى أدركهم دون دجلة، فلما وضعوا على دلجة العسكر والأثقال طلبوا المخاضة فلم يهتدوا لها، حتى أتى سعدا علج من أهل المدائن فقال: أدلكم على طريق تدركونهم قبل أن يمنعوا، فخرج بهم على مخاضة بقطربل، فكان أول من خاضها هاشم، وأتبعه خيله، ثم جاز خالد بن عرفطة بخيله وتتابع الناس فخاضوا حتى جتاوزوا، فزعموا أنه لم يتهد لتلك المخاضة بعد، ثم ساروا حتى انتهوا إلى مظلم ساباط، فأشفق الناس أن يكون به كمين للعدو، فتردد الناس