حتى قدم عليه سعد، فغنم سعد نائلا ذلك السلب كله، وقال له: عزمت عليك يا نائل إلا لبست سواريه وقباءه ودرعه وركبت دابته، فانطلق فتدرع سلبه ثم أتاه فى سلاحه على دابته، فقال له سعد: اخلع سواريك إلا أن ترى حربا فالبسهما، وكان أول رجل من المسلمين سور بالعراق.
قالوا: فأقام سعد بكوثى أياما وأتى المكان الذى حبس فيه إبراهيم، عليه السلام، بكوثى، والبيت الذى كان فيه محبوسا فنظر إليه وصلى على رسول الله وعلى إبراهيم وعلى أنبياء الله، صلوات الله على جميعهم، وقرأ: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ آل عمران: 140 ، ثم إن سعدا قدم زهرة إلى بهرسير فمضى من كوثى فى المقدمات وتبعته المجنبات، وخرج هاشم، وخرج سعد فى أثره، وقد فل زهرة كتيبة كسرى التى كانت تدعى بوران حول المظلم، مظلم ساباط، وكان رجالها يحلفون كل يوم بالله لا يزول ملك فارس ما عشنا.
ولما انتهى هاشم إلى مظلم ساباط وقف لسعد حتى لحق به، فلما نزل قاله: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ إبراهيم: 44 ، ووافق ذلك رجوع المقرط، أسد كان كسرى قد ألفه وتخيره من أسود المظلم، فبادر المقرط الناس حتى انتهى إليهم سعد، فنزل إليه هاشم فقتله، فقبل سعد رأسه، وقبل هاشم قدميه.
وقال المدائنى: فنظر هاشم إلى الناس وقد أحجموا ووقفوا فقال: ما لهم؟ فقيل له:
أسد قد منعهم، ففرج هاشم الناس وقصد له فثاوره الأسد وضربه هاشم فقطع موصله كأنما اجتلم به غصنا، ووقعت الضربة فى خاصرته، وقال بعضهم: على هامته، فقتله.
قالوا: وقدم سعد هاشما إلى بهرسير ثم ارتحل سعد فنزل على البأس بها وجعل المسلمون المتقدمون إليها كلما قدمت عليهم خيل وقفوا ثم كبروا حتى نجز آخر من كان مع سعد، ولما نزل سعد على بهرسير بث الخيول، فأغار على ما بين دجلة إلى من له عهد من أهل الفرات، فأصابوا مائة ألف فلاح، فقال شيرزاذ، دهقان ساباط، وكان قد تلقى زهرة فى طريقه بالصلح وتأدية الجزية، فقال لسعد عند ما أتى بالفلاحين فخندق لهم: إنك لا تصنع بهؤلاء شيئا، إنما هؤلاء علوج لأهل فارس فدعهم إلىّ حتى يفرق لك الرأى فيهم، فكتب عليه بأسمائهم، ودفعهم إليه، فقال لهم شيرزاذ: انصرفوا إلى قراكم.
وكتب سعد إلى عمر رحمهما الله: إنا وردنا بهرسير بعد الذى لقينا بين القادسية وبهرسير، فلم يأتنا أحد لقتال، فبثثت الخيول فجمعت الفلاحين من القرى والآجام،