ولما رأى سعد عاصما على الفراض وقد منعها، أذن للناس فى الاقتحام، وقال: قولوا نستعين بالله، ونتوكل على الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وتلاحق عظم الجند فركبوا اللجة، واعترضوا دجلة وإنها لمسودة تزخر، لها حدب يقذف بالزبد، فكان أول من اقتحم سعد بن أبى وقاص، ثم اقتحم الناس، وقد قرنوا أنثى بكل حصان يتحدثون على ظهورها كما يتحدثون على الأرض، وطبقوا دجلة خيلا ودواب ورجالا حتى ما يرى الماء من الشاطئ أحد، وسلمان الفارسى يساير سعدا يحدثه، والماء يطفو بهم، والخيل تعوم، فإذا أعيا فرس استوى قائما يستريح كأنه على الأرض، فقال قيس بن أبى حازم: إنى لأسير فى دجلة فى أكثر مائها إذ نظرت إلى فارس وفرسه كأنه واقف ما يبلغ الماء حزامه.
وقال بعضهم: لم يكن بالمدائن أمر أعجب من ذلك، فقال سعد: ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فصلت: 14 .
وفى رواية أنه قال لسلمان وهو يسايره فى الماء: والله لينصرن الله وليه، وليظهرن الله دينه، وليهزمن عدوه، إن لم يكن فى الجيش بغى أو ذنوب تغلب الحسنات، فقال سلمان: يا أبا إسحاق، الإسلام جديد، ذلل الله لكم البحر كما فرقه وذلله لبنى إسرائيل، والذى نفس سلمان بيده، لتخرجن منه أفواجا كما دخلتموه أفواجا، فخرجوا منه كما قال سلمان، لم يفقدوا شيئا، ولم يغرق فيه أحد.
قال أبو عثمان النهدى «1» : إلا رجلا من بارق يدعى غرقدة، زل عن ظهر فرس له شقراء، كأنى أنظر إليها عريا تنفض عرفها، والغريق طاف، فثنى القعقاع بن عمرو عنان فرسه إليه، فجره حتى عبر، فقال البارقى: وكان من أشد الناس: أعجزت الأخوات أن يلدن مثلك يا قعقاع وكانت للقعقاع فيهم خؤولة.
وقال بعض رجال سيف بن عمر «2» : إنه لم يذهب للمسلمين يومئذ فى الماء شىء إلا قدح كانت علاقته رثة، فانقطعت، فذهب به الماء، فقال الرجل: الذى كان يعاوم صاحب القدح «3» معيرا له: أصابه القدر فطاح، فقال: إنى لأرجو والله أن لا يسلبنى الله قدحى من بين أهل العسكر، وإذا رجل من المسلمين ممن تقدم ليحمى الفراض قد سفل