قالوا: وما زالت حماة أهل فارس يقاتلون على ماء الفراض يمنعون المسلمين من العبور، حتى ناداهم مناد: علام تقتلون أنفسكم؟ فو الله ما فى المدائن من أحد، فانهزموا واقتحمتها الخيول عليهم، ولما دخلها سعد فرأى خلوتها وانتهى إلى إيوان كسرى أقبل يقرأ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ الدخان: 25، 28 ، وصلى فيه صلاة الفتح، ولا تصلى جماعة، فصلى ثمانى ركعات لا يفصل بينهن، واتخذ الإيوان مسجدا، وفيه تماثيل الجص رجال وخيل، فلم يمتنع هو ولا المسلمون، يعنى من الصلاة فيه، لأجلها، وتركوها على حالها، وأتم سعد الصلاة يوم دخلها لأنه أراد المقام بها. وبالمدائن كانت أول جمعة جمعت بالعراق فى صفر سنة ست عشرة. ووكل سعد بالأقباض من يجمعها «1» ، وأمره بجمع ما فى القصر والإيوان ومنازل كسرى وسائر الدور، وإحصاء ما يأتيه به الطلب، وقد كان أهل المدائن تأهبوا عند المدائن للغارة، ثم طاروا فى كل وجه، فما أفلت أحد منهم بشىء ولا بخيط، ألح عليهم الطلب فتنفذوا ما فى أيديهم، ورجعوا بما أصابوا من الأقباض، فضموها إلى ما قد جمع.
وقال حبيب بن صبهان: دخلنا المدائن، فأتينا على قباب تركية مملوءة سلالا مختمة بالرصاص، فما حسبناها إلا طعاما، فإذا هى آنية الذهب والفضة وقسمت بعد بين الناس.
قال: ولقد رأيت الرجل يطوف ويقول: من معه بيضاء بصفراء؟ وأتينا على كافور كثير فما حسبناه إلا ملحا، فجعلنا نعجن به حتى وجدنا مرارته فى الخبز.
وعن الرفيل بن ميسور «2» قال: خرج زهرة، يعنى ابن الجوية، فى المقدمة يتبعهم حتى انتهى إلى جسر النهروان وهم عليه، فازدحموا فوقع بغل فى الماء وعجلوا عنه ثم كلبوا عليه، فقال زهرة: أقسم بالله إن لهذا البغل لشأنا، ما كلب القوم عليه ولا صبروا للسيوف بهذا الموقف الضنك بعد ما أرادوا تركه إلا لشىء، فترجل حتى إذا أزاحهم أمر أصحابه فاحتملوا البغل بما عليه حتى أدوه إلى الأقباض ما يدرون ما عليه، وإذا الذى عليه حلية كسرى، ثيابه وخرزاته ووشاحه ودرعه التى كان فيها الجوهر، وكان يجلس فيها للمباهاة.