من العجم يشبه الروم فسألنى عن مسكنى، فقلت: المدائن، قال: أيها؟ قلت: الرومية.
قال: فأين منزلك منها؟ فوصفته له، قال: هذه دارى، إنى أحدث أصحابى عنها وعن حالى، وما كنت فيه فيكذبوننى، ولقد دفنت حين حصرنا العرب فى الدكان التى على باب الدار عشرة آلاف درهم وآنية ذهب وفضة كثيرة، فأغضيت على ما قال، واستأذنت أميرى فى القفل، فأذن لى، فقدمت فاحتفرت ذلك الموضع فأصبت ما قال على ما قال، فأحرزته ورجعت إلى مركزى.
قال المدائنى: واقتسم المسلمون الرومية أرباعا فنزلوها، ونسبت الأرباع إلى قبائل، ومعهم فيها غيرهم، غير أنه قيل: ربع عبد القيس وربع بجيلة وأسد وربع خزاعة وربع بقى على ما كان يسمى فى الجاهلية، طسوج هندوان.
وكان كسرى أنزله قوما من الزط فهو يسمى بذلك الاسم إلى اليوم، واتخذ آل صوخان مسجدا بالرومية، واختطت القبائل فيما حول الإيوان، ونزلوا المدينة العتيقة، ولم ينزلوا إلا ما كان للملك ولأهل بيته ولمن هرب مما لم يصالح عليه، فاختط حول الإيوان والرومية تميم وسليم وعبس وبكر ومزينة وجهينة وهمدان وثقيف والأنصار ومراد، ونزل بنو أسد الفارقين، ونزل المسلمون الإيوانات وبيوت النيران والمرابط والسكك ودور الضرب والدواوين، وصار بستان الملك الذى كان يدخله إذا فرغ من الزمزمة مقابر للمسلمين، ونزل حذيفة مربط يزدجرد، ونزل سعد القصر الأبيض والمسجد الذى يجتمعون فيه مسجد العسكر على الناقوس، فلم يزل المسلمون بالمدائن وما حولها حتى تحولوا إلى الكوفة، فتركوا خططهم على حالها تعرف بهم، وأقام قوم اتخذوا الضياع بالسواد، فلم يتحولوا، وكان مقامهم بعد الحرب سنتين.
وذكر أيضا أن سعد بن أبى وقاص كان حين سار إلى المدائن خلف قوما بأرض الكوفة، فقسم لهم مع من شهد المدائن حين فتحها، فقام إليه رجل من هذيل فقال له:
عمدت إلى فيئنا فأعطيته من لم يشهد، وركب إلى عمر فشكا سعدا، فأرسل عمر، عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود، فقال: إن وجدتماه بالكوفة فلا تبيتن بها، وإن وجدتماه خارجا عن الكوفة فلا تدعاه يدخلها وخذا الخاتم من يده، فلقياه بفيين فأخذ أحدهما الخاتم من يده، فنظر إلى الآخر، فقال: أمر بذلك، فقال سعد:
خذينى فجرينى ضباع وأبشرى
... بلحم امرئ لم يحضر اليوم ناصره
قال: دعونى أدخل الكوفة، قالا: لا، فقطعا به الفرات من دير الأعور، فلما قدم على