وعن بعض الرواة أن هاشما لما نزل على مهران بجلولاء جعل يقوم فى الناس، ويقول:
إن هذا منزل له ما بعده، وجعل سعد يمده بالفرسان حتى إذا كانوا أخيرا قال بعضهم لبعض: أبلوا الله بلاء حسنا يتم لكم عليه الأجر والمغنم، واعملوا لله فإنكم ردء المسلمين، فالتقوا فاقتتلوا، وبعث الله عليهم ريحا أظلت عليهم البلاد، ولم يستطيعوا إلا المحاجزة، فتهافتت فرسانهم فى الخندق، فلم يجدوا بدا من أن يجعلوا فرضا مما يليهم، تصعد منه خيلهم، فأفسدوا حصنهم، وبلغ ذلك المسلمين، فنظروا إليه، فقالوا: ننهد إليهم ثانية فندخله عليهم أو نموت دونه، فلما نهدوا الثانية خرج القوم، فرموا حول الخندق مما يلى المسلمين بحسك الحديد لكيلا تقدم عليهم الخيول، وتركوا للمجال وجها، فخرجوا منه على المسلمين، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله ولا ليلة الهرير إلا أنه كان أكمش وأعجل، وانتهى القعقاع فى الوجه الذى زحف منه إلى باب خندقهم، فأخذ به، وأمر مناديا فنادى: يا معشر المسلمين، هذا أميركم قد دخل خندق القوم فأقبلوا إليه، ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخوله. وإنما فعل القعقاع ذلك ليقوى المسلمين، فحملوا حملة لم يقم لها شىء، حتى انتهوا إلى باب الخندق، ولا يشكون أن هاشما به، فإذا هو بالقعقاع قد أخذ به، وأخذ المشركون فى الهزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذى بحيال خندقهم، فهلكوا فيما أعدوا للمسلمين فعقرت دوابهم، وعادوا رجالة، واتبعهم المسلمون، فلم يفلت منهم إلا من لا يعد، وقتل الله منهم يومئذ مائة ألف، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم، فهى جلولاء الوقيعة.
وقال بعضهم: كان أشقى أهل فارس بجلولاء أهل الرى، كانوا بها حماة أهل فارس، ففنى أهل الرى يوم جلولاء.
وفى حديث عن محفز بن ثعلبة، وكان شهدها: أن أهل فارس لما رأوا أمداد المسلمين بادروا بقتالهم فى عددهم، ثم وصف من شدة قتالهم. قال: حتى أنفذوا النبل، وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطبرزينات وكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهيرة، ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء، حتى إذا كان بين الصلاتين خنست كتيبة من كتائب المشركين وجاءت أخرى فوقفت مكانها، فأقبل القعقاع على الناس، فقال:
أهالتكم هذه؟ قالوا: نعم، نحن مكلون وهم مريحون، والكال يخاف العجز إلا أن يعقب، فقال: إنا حاملون حملة عليهم ومجادوهم وغير كافين عنهم ولا مقلعين عنهم حتى يحكم الله بيننا، فاحملوا حملة رجل واحد حتى تخالطوهم، ولا يكذبن أحد منكم. فحمل