فلما كان بمهروذ أتاه دهقانها فصالحه على أن يفرش له جريبا دراهم، فقبل منه ومضى إلى جلولاء، فقدم على قوم قد أعدوا عدة عظيمة، وتحرزوا بالخنادق، فقاتلوهم قتالا شديدا عن العيال والذرارى، وكتب هاشم إلى سعد يستمده، وأتى المشركون أهل أذربيجان مددا فعاجلوهم القتال، وكثروهم، فجال المسلمون وانكشفوا، فناداهم هاشم:
يا معشر المسلمين أين؟ أما رأيتم ما خلفتم؟ أتاتون عمر منهزمين؟ فعطف الناس، وعلى الميمنة حجر بن عدى، وعلى الميسرة عمرو بن معدى كرب، وعلى الخيل زهرة بن جوية، وعلى الرجال طليحة بن خويلد، فاشتد القتال بينهم حتى مضى وقت الظهر فصلى المسلمون يومئون إيماء، وألح المشركون عليهم، وطلعت كتيبة للمشركين حامية فجازت الخندق، ثم طلعت أخرى، فقال طليحة وعمرو بن معدى كرب: يا معشر الفرسان، الأرض واقرنوا خيولكم، ففعلوا وجثوا وأشرعوا الرماح فرجعت الخيل عنهم، ورموهم بالنشاب، فتترسوا، فمكثوا بذلك مليا، وأشفق المسلمون فحضهم طليحة وزهرة وعمرو، فبينا هم على ذلك إذ سمعوا تكبيرا للمسلمين وراءهم، فإذا قيس بن مكشوح قد جاءهم فى ألف وأربعمائة فارس وستمائة راجل، فانهزم المشركون قبل أن يصل إليهم، وهاجت ريح شديدة أظلمت لها الأرض، فتهافت المشركون فى الخندق، واتبعهم المسلمون فانتهوا إلى خنادقهم وقد انجلت عنهم الظلمة فركبوا أكتافهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وحووا عسكرهم، فأصابوا شيئا لم يصيبوا مثله من الأموال والسلاح والمتاع والسبايا والدواب، فجمع ذلك كله إلى هاشم، فجاء رجل من آل خارجة بن الصلت بتمثال ناقة من ذهب موشحة بالدر وألقاها فى المغنم، وجاء مجفر بن ثعلبة بجارية، وجاء كل رجل بما صار فى يديه، فحمل هاشم ذلك كله إلى سعد، فكتب سعد إلى عمر بالفتح وبما أصاب من السبايا واستأذنه فى اتباع العجم والمسير إلى الجبال، فكتب إليه عمر، رحمه الله: أقم مكانك عامك هذا حتى ننظر، واحذر على المسلمين، واترك أهل الجبال ما تركوك، فوددت أن بيننا وبين الجبال سدا من نار لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم، حسبنا من الريف السواد، فأقم ولا تطلب ما سوى ذلك عامك هذا إلا أن ينزل عدو بقربك، واقسم بين المسلمين ما أفاء الله عليهم.
وكانت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف، فبلغت السهام ثلاثة آلاف، للفرس سهمان وللراجل سهم، وقال قوم: كانت الغنائم ستة وثلاثين ألف ألف، وكانت السهام ستة آلاف وثمانية من الدواب، للفرس سهمان وللراجل سهم، فحمل سعد الخمس مع زياد ابن أبى سفيان.