ذكر الجزيرة، وذكر السبب الذى دعا عمر إلى الأمر بقصدها «1»
وذلك أن هرقل أغزى حمص فى البحر بعد أن غلب عليها المسلمون، واستمد أهل الجزيرة على أبى عبيدة ومن فيها من المسلمين، فأجابوه، وبلغت أمداد الجزيرة ثلاثين ألفا، سوى أمداد قنسرين من تنوخ وغيرهم، فبلغوا من المسلمين كل مبلغ، فضم أبو عبيدة مسالحه، وعسكروا بفناء مدينة حمص، وخندقوا عليها، وكتبوا إلى عمر واستصرخوه، وكان عمر، رضى الله عنه، قد اتخذ فى كل مصر على قدرها خيولا من فضول أموال المسلمين، عدة لما يعرض، فكان من ذلك بالكوفة أربعة آلاف فرس يشتيها فى قبلة قصر الكوفة وميسرته، بمكان يسمى لأجل ذلك الآرى، ويربعها فيما بين الفرات والأبيات من الكوفة، مما يلى العاقول، فسمته الأعاجم: آخر الشاهجان، يعنون معلف الأمراء.
وكان قيمه عليها سلمان بن ربيعة الباهلى فى نفر من أهل الكوفة، يصنع سوابقها، ويجريها فى كل يوم، وبالبصرة نحو منها، وقيمه عليها جزء بن معاوية، وفى كل مصر من الأمصار على قدره، فلما وقع إلى عمر كتاب أبى عبيدة يستصرخه، كتب إلى سعد بن أبى وقاص: أن اندب الناس مع القعقاع بن عمرو، وسرحهم من يومهم الذى يأتيك فيه كتابى إلى حمص، فإن أبا عبيدة قد أحيط به، وتقدم إليهم فى الجد والحث.
وكتب إليه أيضا: أن سرح سهيل بن عدى إلى الجزيرة فى الجند، وليأت الرقة فإن أهل الجزيرة هم الذين استثاروا الروم على أهل حمص، وإن أهل قرقيسيا لهم سلف، وسرح عبد الله بن عتبان إلى نصيبين، ثم لينفضا حران والرها، وسرح الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة من ربيعة وتنوخ، وسرح عياض بن غنم، فإن كان قتال فقد جعلت أمرهم جميعا إلى عياض، فمضى القعقاع فى أربعة آلاف من يومهم الذى أتاهم فيه الكتاب نحو حمص، وحديثهم مذكور فى أمر حمص من فتح الشام، وإنما أعيد منه هنا هذا القدر تطريقا لحديث الجزيرة وتمهيدا له.
وخرج عياض بن غنم، وأمراء الجزيرة، فسلكوا طريق الجزيرة على الفراض وغيرها، فتوجه كل أمير إلى الكورة التى أمّر عليها، ولما بلغ أهل الجزيرة الذين أعانوا الروم على أهل حمص أن الجنود قد خرجت من الكوفة، ولم يدروا، الجزيرة يريدون أم حمص؟