وذكر بعض أهل العلم «1» أن مما هاج أمه السعدية على رده، ما ذكرت لأمه وما أخبرتها عنه، أن نفرا من الحبشة نصارى رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه، فنظروا إليه وسألوها عنه، وقلبوه، ثم قالوا لها: لنأخذن هذا الغلام فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا، فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره. فلم تكد تنفلت به منهم.
وذكر الواقدى أن أمه حليمة السعدية بعد أن رجعت به من عند أمه حضرت به سوق ذى المجاز، وبها يومئذ عراف من هوازن يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة فى عينيه وإلى خاتم النبوة، صاح: يا معشر العرب فاجتمع إليه أهل الموسم، فقال: اقتلوا هذا الصبى. وانسلت به حليمة. فجعل الناس يقولون: أى صبى هو؟ فيقول: هذا الصبى. فلا يرون شيئا، قد انطلقت به أمه، فيقال له:
ما هو؟ فيقول: رأيت غلاما، وآلهتكم، ليغلبن أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم. فطلب بعكاظ فلم يوجد.
ورجعت به حليمة إلى منزلها، فكانت بعد هذا لا تعرضه لأحد من الناس. ولقد نزل بهم عراف، فأخرج إليه صبيان أهل الحاضر، وأبت حليمة أن تخرجه إليه، إلى أن غفلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج من المظلة فرآه العراف فدعاه فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الخيمة، فجهد بهم العراف أن يخرج إليه فأبت. فقال: هذا نبى.
وقد عرضه عمه أبو طالب على عائف من لهب، كان إذا قدم من مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم، فأتاه به أبو طالب وهو غلام مع من يأتيه، قال:
فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شىء فقال: الغلام على به. فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه، فجعل يقول: ويلكم ردوا على الغلام الذى رأيت آنفا، فو الله ليكونن له شأن.
وانطلق به أبو طالب. وكانت حليمة بعد رجوعها به من مكة لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا. فغفلت عنه يوما فى الظهيرة، فخرجت تطلبه حتى تجده مع أخته. فقالت:
فى هذا الحر؟! فقالت أخته: يا أمه، ما وجد أخى حرا، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت، حتى انتهى إلى هذا الموضع.
تقول أمها: أحقا يا بنية؟ قالت: إى والله. قال: تقول حليمة: أعوذ بالله من شر ما يحذر على ابنى. فكان ابن عباس يقول: رجع إلى أمه وهو ابن خمسن سنين. وكان غيره يقول: رجع إليها وهو ابن أربع سنين. هذا كله عن الواقدى.