صريع رحمه الله، ومر به معقل بن يسار فذكر عزمته: ألا يلوى أحد علىّ، فجعل علما عنده، ومر أخوه سويد بن مقرن أو نعيم، فألقى عليه ثوبا لكى لا يعرف، ونصب الراية وهى تقطر دما، قد قتل بها قبل أن يصرع، وسقط ذو الحاجب عن بغلته فانشق بطنه، وانهزم المشركون، فاتبعوهم يقتلونهم كيف شاؤا.
فقال بعض من حضر ذلك اليوم: إنى لفى الثقل فثارت بيننا وبين القوم عجاجة قسطلانية، فجعلت أسمع وقع السيوف على الهام، ثم كشفت، فإذا المسلمون يتبعونهم كالذباب يتبع الغنم، فاتبعتهم طائفة من المسلمين حتى دخلوا مدينتهم، ثم رجعوا، وحوى المسلمون عسكرهم، ورجع معقل بن يسار إلى النعمان بعد انهزام المشركين ومعه أدواة فيها ماء فغسل التراب عن وجهه، فقال: من أنت؟ قال: معقل بن يسار، قال: ما فعل الناس؟ قال: فتح الله عليهم، قال: الحمد لله، اكتبوا بذلك إلى عمر.
وفاضت نفسه، فاجتمع الناس وفيهم ابن الزبير وابن عمر، فأرسلوا إلى أم ولده، فقالوا:
أعهد إليك عهدا؟ فقالت: هاهنا سفط فيه كتاب، فأخذوه فإذا كتاب عمر إلى النعمان:
إن حدث بك حدث فالأمير حذيفة، فإن قتل ففلان، فإن قتل ففلان.
فتولى أمر الناس حذيفة، فأمر بالغنائم فجمعت، ثم سار إلى مدينة نهاوند وقد حملت الغنائم إلى عسكرهم، وحصر أهل المدينة وقاتلوهم، فبيناهم يطاردونهم إذ لحق سماك بن عبيد عظيما من عظمائهم يقال له: دينار، فسأله الأمان، فأمنه وأدخله على حذيفة، فصالحه عن البلد على ثمانمائة ألف وشىء من العسل والسمن، وقال: إن لكم لوفاء بالعهد، وأخاف عليكم خمسة أشياء: الخب والبخل والغدر والخيلاء والفجور، وأخاف أن يأتيكم الخب من قبل النبط، والخيلاء من قبل الروم، والبخل من قبل فارس، والفجور والغدر من قبل أهل الأهواز، وأتى السائب بن الأقرع دهقان وقد جمعت الغنائم، فقال له: أتؤمننى على دمى ودماء قرابتى وأدلك على كنز النخيرجان؟ ثم تجلبوا عليه فى الحرب فيقسم وتجرى عليه السهام، ولم يحرزوه بجزية أقاموا عليها، وإنما هو دفين دفنوه وفروا عنه، فتأخذه لصاحبكم، يعنى عمر رضى الله عنه، تخصه به.
قال: أنت آمن إن كنت صادقا، قال: فانهض معى، فنهض معه فانتهى به إلى قلعة، فرفع صخرة ودخل غارا فاستخرج سفطين، فإذا قلائد منظومة بالدرر والياقوت وقرطة وخواتم وتيجان مكللة بالجوهر، فأمنه ثم أتى به حذيفة فأخبره، فقال: اكتمه، فكتمه حتى قسم الغنائم بين الناس وعزل الخمس، ثم خرج السائب مسرعا فقدم على عمر، فقال له عمر: ما وراءك؟ فو الله ما نمت هذه الليلة إلا تغررا، وما أتت علىّ ليلة بعد الليلة