يرون ما المسلمون فيه من التضايق، فما الرأى الذى به نحمشهم ونستخرجهم إلى المناجزة؟.
فقال بعض المسلمين: التحصن عليهم أشد من المطاولة عليكم، فدعهم وطاولهم وقاتل من أتاك منهم.
فردوا جميعا عليه رأيه، وقالوا: إنا لعلى يقين من إنجاز ربنا موعده، فما لنا وللمطاولة حتى لا نجد منها بدا؟.
وتكلم «1» عمرو بن معدى كرب، يومئذ، فلم يوافقهم قوله الذى قال، وردوه عليه.
وقال طليحة: أما أنا فأرى أن نبعث خيلا مؤدية، فيحدقوا بهم، ثم يراموهم ليحمشوهم وينشبوا القتال، فإذا استحمشوا واختلطوا بهم أرزت إلينا خيلنا تلك استطرادا، فإنا لم نستطرد لهم فى طول ما قاتلناهم، وإنا إذا فعلنا ورأوا ذلك منا طمعوا فى هزيمتنا ولم يشكوا فيها، فخرجوا فجادونا وجاددناهم، حتى يقضى الله فينا وفيهم ما أحب.
فأمر «2» النعمان القعقاع، صاحب المجردة، بذلك ففعل، وأنشب القتال، فأنغضهم فلما خرجوا نكص، ثم نكص، ثم نكص، فاغتنمتها الأعاجم، ففعلوا كما ظن طليحة وخرجوا، فلم يبق أحد إلا من يقوم لهم على الأبواب، وجعلوا يركبون القعقاع حتى أرزا إلى الناس، وانقطع القوم من حصنهم بعض الانقطاع، والنعمان والمسلمون على تعبئتهم فى يوم الجمعة وفى صدر النهار، وقد عهد النعمان إلى الناس عهده، وأمرهم أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوهم حتى يأذن لهم، ففعلوا واستتروا بالحجف من الرمى، وأقبل المشركون عليهم يثفنونهم حتى أفشوا فيهم الجراحات، وشكا الناس ذلك بعضهم إلى بعض، ثم قالوا للنعمان: ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما لقى الناس؟ فما تنتظر بهم؟
ائذن للناس فى قتالهم، فقال النعمان: رويدا رويدا، تروا أمركم، فقال المغيرة: لو أن هذا الأمر إلىّ علمت ما أصنع، فقال النعمان: رويدا ترى أمرك، فقد كنت تلى الأمر فتحسن، ولا يخذلنا الله وإياك، ونحن نرجو فى المكث مثل الذى ترجو فى الحث.
وجعل النعمان ينتظر بالكتائب أحب الساعات كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى القتال أن يلقى فيها العدو، وذلك عند الزوال وتفيؤ الأفياء ومهب الأرواح. فلما كان قريبا من