فأقبلوا إلى مرو وخرج إليهم يزدجرد فى أصحابه، فقاتلهم ومعه ماهويه فى أساورة مرو، فأثخن فى الترك حتى خشى ماهويه أن ينهزموا، فتحول إليهم فى أساورة مرو، فانهزم جند يزدجرد وقتلوا، وعقر عند المساء فرس يزدجرد، فمضى ماشيا هاربا حتى انتهى إلى بيت فيه رحى على شط المرغاب، فمكث فيه ليلتين، فطلبه ماهويه فلم يقدر عليه إلى أن دخل صاحب الرحى بيته فى اليوم الثانى، فرأى يزدجرد، فقال: ما أنت؟ إنسى أم جنى؟ قال: إنسى، فهل عندك طعام؟ قال: نعم، فأتاه به، فقال: إنى مزموم، فأتنى بما أزمزم به.
فذهب الطحان إلى بعض الأساورة، فطلب منه ما يزمزم به، قال: وما تصنع به؟
فقال: عندى رجل لم أر مثله قط، وقد طلب هذا منى، فجاء الأسوار بالطحان إلى ماهويه، فأخبره فقال: هذا يزدجرد، اذهبوا فجيئونى برأسه، فقال له الموبذ: ليس ذلك إليك، قد علمت أن الدين والملك مقترنان، لا يستقيم أحدهما إلا بالآخر، ومتى فعلت انتهكت الحرمة العظيمة، وتكلم الناس فأعظموا ذلك، فشتمهم ماهويه وقال للأساورة:
من تكلم فاقتلوه، وأمر عدة فذهبوا مع الطحان ليقتلوا يزدجرد، فانطلقوا، فلما رأوه كرهوا قتله، وتدافعوا ذلك، وقالوا للطحان: ادخل فاقتله، فدخل عليه وهو نائم ومعه حجر فشدخ به رأسه، ثم اجتزه فدفعه إليهم، وألقى جسده فى المرغاب، فخرج قوم من أهل مرو فقتلوا الطحان وهدموا أرحاءه.
وذكر الطبرى «1» حديثين مختلفين مطولين، وأحدهما أطول من الآخر يتضمن ضروبا من الاضطرابات تقلب فيها، وأنواعا من الدوائر دارت عليه، حتى كانت منيته آخرها، وفيه أن رجال ماهويه الذين وجههم لطلب يزدجرد وأمرهم بقتله لما انتهوا إلى الطحان، فسألوه عنه، فأنكره، فضربوه ليدل عليه فلم يفعل، فلما أرادوا الانصراف قال أحدهم:
إنى أجد ريح المسك، ونظر إلى طرف ثوب من ديباج فى الماء، فاجتذبه، فإذا هو يزدجرد، فسأله ألا يقتله ولا يدل عليه، وجعل له سواره وخاتمه ومنطقته، فأبى عليه إلا أن يعطيه دراهم ويخلى عنه، ولم يكن ذلك عند يزدجرد، فقال: قد كنت أخبر أنى سأحتاج إلى أربعة دراهم، وقال للرجل: ويحك، خاتمى لك، وثمنه لا يحصى، فأبى وأنذر أصحابه، فأتوه، فطلب إليهم يزدجرد ألا يقتلوه، وقال: ويحكم، إنا نجد فى كتبنا أن من اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق فى الدنيا، مع ما هو قادم عليه، فلا تقتلونى وائتوا بى إلى الدهقان، أو سرحونى إلى العرب، فإنهم يستحيون مثلى من