ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامى.
فقالوا له: يا بحيرى ما تخلف عنك أحد ينبغى له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سنا، فتخلف فى رحالهم. فقال: لا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم.
فقال رجل من قريش: واللات والعزى، إن كان للؤما بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا. ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم.
فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرى فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتنى عما أسألك عنه. وإنما قال له بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسألنى باللات والعزى شيئا، فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما» . فقال له بحيرى: فبالله إلا ما أخبرتنى عما أسألك عنه. قال له: سلنى عما بدا لك.
فجعل يسأله عن أشياء من حاله فى نومه وهيئته وأموره، ويخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته وأموره ويخبره. ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التى عنده. فلما فرغ أقبل على عمه أبى طالب، فقال:
ما هذا الغلام منك؟ قال: ابنى، قال: ما هو بابنك، وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فإنه ابن أخى. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به.
قال: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده «1» .
فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام.
فزعموا أن نفرا من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى بحيرى فى ذلك السفر الذى كان فيه مع عمه أبى طالب، فأرادوه فردهم عنه بحيرى، وذكرهم الله