وما يجدون فى الكتاب من ذكره وصفاته، وأنهم إن أجمعوا إلى ما أرادوا لم يخلصوا إليه، حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا عنه.
فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلؤه الله ويحفظه، ويحوطه من أقذار الجاهلية لما يريد به من كرامته ورسالته. حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التى تدنس الرجال، تنزها وتكرما. حتى ما اسمه فى قومه إلا الأمين، لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة.
وكان صلى الله عليه وسلم يحدث عما كان الله يحفظه به فى صغره وأمر جاهليته، أنه قال: لقد رأيتنى فى غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان، كلنا قد تعرى وأخذ إزاره وجعله على رقبته يحمل عليها الحجارة، فإنى لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمنى لاكم ما أراه لكمة وجيعة، ثم قال: شد عليك إزارك. قال: فأخذته فشددته على، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتى وإزارى على من بين أصحابى «1» . وذكر البخارى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما هممت بسوء من أمر الجاهلية إلا مرتين» «2» .
وروى غيره أن إحدى المرتين كان فى غنم يرعاها هو وغلام من قريش، فقال لصاحبه: «اكفنى أمر الغنم حتى آتى مكة» ، وكان بها عرس فيها لهو، فلما دنا من الدار ليحضر ذلك ألقى عليه النوم، فنام حتى ضربته الشمس، عصمة من الله له!. والمرة الأخرى مثل الأولى سواء.
وذكر الواقدى عن أم أيمن قالت: كانت بوانة صنما تحضره قريش وتعظمه وتنسك له وتحلق عنده وتعكف عليه يوما إلى الليل فى كل سنة، فكان أبو طالب يحضره مع قومه ويكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد معهم فيأبى ذلك.
قالت: حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ورأيت عماته غضبن يومئذ أشد الغضب، وجعلن يقلن: إنا لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا. ويقلن: ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا؟!
فلم يزالوا به حتى ذهب، فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع مرعوبا فزعا، فقلن له: ما