عليهم ما يصنعون، حتى قاتلوهم، فضرب سعد يومئذ رجلا من المشركين بلحى بعير «1» فشجه. فكان أول دم هريق فى الإسلام.
فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه، حتى ذكر آلهتهم وعابها. فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا خلافه وعداوته، إلا من عصم الله منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون.
وحدب «2» على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمره الله مظهرا له، لا يرده عنه شىء.
فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شىء أنكروه عليه، من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم، مشى رجال من أشرافهم إلى أبى طالب، عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وأبو سفيان بن حرب، وأبو البخترى بن هشام، والحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصى، والأسود ابن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأبو جهل بن هشام بن المغيرة، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، والعاص بن وائل، ومن مشى منهم.
فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيه. فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه.
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يظهر دين الله ويدعو إليه، ثم شرى الأمر «3» بينه وبينهم، حتى تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه.
ثم إنهم مشوا إلى أبى طالب مرة أخرى، فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك فى ذلك حتى يهلك أحد الفريقين. أو كما قالوا له.