وقال عبد الله بن عباس «1» : إنما نزلت هذه الآية: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا الإسراء: 110 من أجل أولئك النفر «2» .
يقول: لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فيتفرقوا عنك وَلا تُخافِتْ بِها فلا يسمعها من يحب أن يسمعها ممن يسترق ذلك دونهم، لعله يرعوى إلى بعض ما يستمع فينتفع بذلك.
وكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود فيما حدث به عروة بن الزبير «3» قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود:
أنا. قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه. قال:
دعونى فإن الله سيمنعنى. قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام فى الضحى، وقريش فى أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رافعا بها صوته الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. ثم استقبلها يقرؤها، وتأمموه فجعلوا يقولون: ما قال ابن أم عبد؟ ثم قالوا: إنه ليتلوا بعض ما جاء به محمد.
فقاموا إليه فجعلوا يضربون فى وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه. فقالوا: هذا الذى خشينا عليك. قال: ما كان أعداء الله أهون على منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها قالوا: لا، حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون «4» .
وذكر الزهرى «5» أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى من الليل فى بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم فى نفسه شيئا.
ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا