بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها دارا وقرارا، ائتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشى، فيردهم عليهم، ليفتنوهم فى دينهم، ويخرجوهم من دارهم، التى اطمأنوا بها وأمنوا فيها.
فبعثوا عبد الله بن أبى ربيعة، وعمرو بن العاص وجمعوا لهما هدايا للنجاشى ولبطارقته ثم بعثوهما.
فقال أبو طالب، حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه، أبياتا يحض النجاشى على حسن جوارهم والدفع عنهم:
ألا ليت شعرى كيف فى النأى جعفر
... وعمرو وأعداء العدو الأقارب
وهل نالت أفعال النجاشى جعفرا
... وأصحابه أو عاق ذلك شاغب
تعلم أبيت اللعن أنك ماجد
... كريم فلا يشقى لديك المجانب «1»
تعلّم فإن الله زادك بسطة
... وأسباب خير كلها بك لازب
وأنك فيض ذو سجال غزيرة
... ينال الأعادى نفعها والأقارب
وذكر ابن إسحاق: من حديث «2» أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم، قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، تعنى مع زوجها الأول أبى سلمة، جاورنا بها خير جار النجاشى، أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشى فينا رجلين منهم جليدين، وأن يهدوا للنجاشى هدايا مما يستظرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا لهم، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبى ربيعة، وعمرو بن العاص، وأمروهما بأمرهم، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشى فيهم، ثم قدما إلى النجاشى هداياه، ثم اسألاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم.
قالت: فخرجا حتى قدما إلى النجاشى، ونحن عنده بخير دار، عند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلماه، وقالا لكل بطريق: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا فى دينكم، وجاؤا بدين مبتدع، لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم