فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لى كذا وكذا، فو الله ما برحوا يخوفوننى امرك حتى سددت أذنى بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنى فسمعت قولا حسنا، فاعرض على أمرك، فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا على القرآن، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبى الله، إنى امرؤ مطاع فى قومى وإنى راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لى آية تكون لى عونا عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال: اللهم اجعل له آية.
فخرجت إلى قومى حتى إذا كنت على ثنية تطلعنى على الحاضر وقع نور بين عينى مثل المصباح. قلت: اللهم فى غير وجهى، إنى أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت فى وجهى لفراقى دينهم. قال: فتحول فوقع فى رأس سوطى، فجعل أهل الحاضر يتراؤن ذلك النور فى سوطى كالقنديل المعلق، وأنا أهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم، فلما نزلت أتانى أبى وكان شيخا كبيرا، فقلت: إليك عنى يا أبا فلست منك ولست منى.
قال: لم يا بنى؟ قلت: أسلمت وتابعت دين محمد. قال: أى بنى فدينى دينك. فقلت:
فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت. فذهب فاغتسل وطهر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، ثم أتتنى صاحبتى فقلت لها: إليك عنى فلست منك ولست منى. قالت: لم بأبى أنت وأمى؟! قلت: فرق بينى وبينك الإسلام وتابعت دين محمد. قالت: فدينى دينك. قلت: فاذهبى إلى حنا ذى الشرى.
قال ابن هشام «1» : ويقال: حمى ذى الشرى، فتطهرى منه، وكان ذو الشرى صنما لدوس والحنا حمى حموه له، به وشل من ماء يهبط من جبل. فقالت: بأبى أنت وأمى، أتخشى على الصبية من ذى الشرى شيئا؟ قلت: لا أنا ضامن لذلك. فذهبت فاغتسلت ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطأوا على، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقلت يا نبى الله، إنه غلبنى على دوس الزنا فادع الله عليهم. فقال: اللهم اهد دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم.
فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق، ثم قدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معى من قومى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا