قال ابن إسحاق «1» : ونصب عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم.
وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج، ممن كان عسى على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه، فظهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل، ونافقوا فى السر فكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبى صلى الله عليه وسلم وجحودهم الإسلام.
وكانت أحبار يهودهم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل، إلا ما كان من عبد الله بن سلام ومخيريق فكان القرآن ينزل فيما يسألون عنه إلا قليلا من المسائل فى الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها.
وكان من حديث عبد الله بن سلام «2» وإسلامه، وكان حبرا عالما، قال: لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذى كنا نتوكف له، فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم المدينة، فلما نزل بقباء فى بنى عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا فى رأس نخلة لى أعمل فيها، وعمتى خالدة بنت الحارث تحتى جالسة، لما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت، فقالت لى عمتى حين سمعت تكبيرتى:
خيبك الله! لو كنت سمعت موسى بن عمران قادما ما زدت!.
فقلت لها: أى عمة، هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بعث بما بعث به.
فقالت: أى ابن أخى، أهو النبى الذى كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ فقلت لها:
نعم. فقالت: فذاك إذا، قال: ثم رحت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم رجعت إلى أهلى فأمرتهم فأسلموا وكتمت إسلامى من يهود. ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن يهود قوم بهت، وإنى أحب أن تدخلنى فى بعض بيوتك وتغيا بنى عنهم، ثم تسألهم عنى حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامى، فإنهم إن علموا به بهتونى وعابونى.