قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما فى نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت «1» .
وكان هذان الأخوان الشقيان من أشد يهود للعرب حسدا لما خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم، فكانا جاهدين فى رد الناس عن الإسلام بما استطاعا، فأنزل الله عز وجل فيهما:
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة: 109 .
ومر شأس بن قيس، وكان شيخا قد عمى «2» عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم، على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج فى مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذى كان بينهم من العداوة فى الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بنى قيلة بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.
فأمر شابا من يهود كان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس، وكان عليها يومئذ حضير أبو أسيد بن حضير، وعلى الخزرج عمرو بن النعمان البياضى فقاتلا جميعا.
ففعل الشاب ما أمره به شأس، فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب وهما أوس بن قيظى وجبار بن صخر فتاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جذعة. وغضب الفريقان جميعا وقالوا: قد فعلنا موعدكم الظاهرة وهى الحرة، السلاح السلاح.
فخرجوا إليها، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين، الله الله! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الحاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم.
فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوههم فبكوا وعانق الرجال من