وكان فى حجره عمير بن سعد، خلف جلاس على أمه بعد أبيه، فقال له عمير:
والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلىّ، وأحسنه عندى وأعزهم علىّ أن يصيبه شىء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لفضحنك، ولئن صمت عليها ليهلكن دينى، ولإحداهما أيسر على من الأخرى.
ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال جلاس، فحلف جلاس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالله لقد كذب على عمير وما قلت ما قال.
فأنزل الله فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ التوبة: 74 «1» .
فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير. وأخوه الحارث بن سويد، قتل المجذر بن زياد البلوى. وذلك أن المجذر فيما ذكر ابن هشام، قتل أباه سويد بن الصامت بعض الحروب إذ كانت بين الأوس والخزرج، فلما كان يوم أحد طلب الحارث غرة المجذر ليقتله بأبيه، فقتله.
وذكر ابن إسحاق «2» أن سويدا إنما قتله معاذ بن عفراء غيلة فى غير حرب، رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون قد أمر عمر بن الخطاب بقتل الحارث إن هو ظفر به ففاته فكان بمكة، ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه. فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ آل عمران: 86 . إلى آخر القصة.
ونبتل بن الحارث من بنى ضبيعة بن زيد بن مالك، وهو القائل: إنما محمد أذن، من حدثه شيئا صدقه. فأنزل الله تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ التوبة: 61 «3» .