وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أخوان من بنى الأشهل فرجعا جريحين، قال أحدهما: فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج فى طلب العدو قلت لأخى أو قال لى: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل. فخرجنا وكنت أيسر جرحا منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون.
وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خروجه ذلك إلى حمراء الأسد، على ثمانية أميال من المدينة. فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة.
وقد مر به هنالك معبد بن أبى معبد الخزاعى، وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح رسول الله بتهامة، صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك فقال: يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك فى أصاحبك، ولوددنا أن الله عافاك فيهم.
ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد، حتى لقى ابا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقالوا: أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج فى أصحابه يطلبكم فى جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه فى يومكم وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شىء لم أر مثله قط. فقال: ويحك ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصى الخيل. قال: فو الله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم. قال: فإنى أنهاك عن ذلك، والله لقد حملنى ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من الشعر. قال: وما قلت؟ قال قلت:
كادت تهد من الأصوات راحلتى
... إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل «1»
تردى بأسد كرام لا تنابلة
... عند اللقاء ولا ميل معازيل «2»
فظلت عدوا أظن الأرض مائلة
... لما سموا برئيس غير مخذول
فقلت ويل ابن حرب من لقائكم
... إذا تغطمطت البطحاء بالجيل «3»