فانتهى إلى موضع البيت، فعمد إبراهيم إلى موضع الحجر فآوى فيه هاجر وإسماعيل، وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشا، فلما أراد إبراهيم أن يخرج، ورأت أم إسماعيل أنه ليس بحضرتها أحد من الناس ولا ماء ظاهر، تركت ابنها فى مكانه وتبعت إبراهيم، فقالت: يا إبراهيم إلى من تدعنا؟ فسكت عنها، حتى إذا دنا من كداء قال: إلى الله عز وجل أدعكم. فقالت: فالله عز وجل أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: فحسبى تركتنا إلى كاف.
وانصرفت هاجر إلى ابنها، وخرج إبراهيم حتى وقف على كداء، ولا بناء ولا ظل ولا شىء يحول دون ابنه، فنظر إليه، فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة لولده، فقال:
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ.
ثم انصرف إبراهيم راجعا إلى الشام، وعمدت هاجر فجعلت عريشا فى موضع الحجر من سمر وثمام ألقته عليه ومعها شن فيه شىء من ماء، فلما نفد الماء عطش إسماعيل وعطشت أمه، فانقطع لبنها، فأخذ إسماعيل كهيئة الموت، فظنت أنه ميت، فجزعت وخرجت جزعا أن تراه على تلك الحال، وقالت: يموت وأنا غائبة عنه أهون على، وعسى الله أن يجعل لى فى ممشاى خيرا.
فانطلقت فنظرت إلى جبل الصفا، فأشرفت عليه تستغيث ربها عز وجل وتدعوه، ثم انحدرت إلى المروة، فلما كانت فى الوادى خبت حتى انتهت إلى المروة، فعلت ذلك سبع مرار، كلما أشرفت على الصفا نظرت إلى ابنها، فتراه على حاله، وإذا أشرفت على المروة فمثل ذلك.
فكان ذلك أول ما سعى بين الصفا والمروة. وكان من قبلها يطوفون بالبيت ولا يسعون بين الصفا والمروة، ولا يقفون المواقف، حتى كان إبراهيم.
فلما كان الشوط السابع ويئست سمعت صوتا، فاستمعت فلم تسمع إلا الأول، فظنت أنه شىء عرض لسمعها من الظمأ والجهد.
فنظرت إلى ابنها فإذا هو يتحرك، فأقامت على المروة مليا، ثم سمعت الصوت الأول، فقالت: إنى سمعت صوتك فأعجبنى، فإن كان عندك خير فأغثنى، فإنى قد هلكت وهلك ما عندى.