قال: فسكتت فلم ترد، إلا أن تكون ردت فى نفسها، فقال: هل من منزل؟ فقالت:
لا هيم الله إذن، قال: فكيف طعامكم وشرابكم وشاؤكم؟ فذكرت جهدا، فقالت: أما الطعام فلا طعام، وأما الشاء فإنما نحلب الشاة بعد الشاة المصر، وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ، قال: فأين رب البيت؟ قالت: فى حاجته.
قال: فإذا جاء فأقرئيه السلام، وقولى له غير عتبة بيتك.
ورجع إبراهيم إلى منزله، وأقبل إسماعيل راجعا إلى منزله بعد ذلك بما شاء الله عز وجل، فلما انتهى إلى منزله سأل امرأته هل جاءك أحد؟ فأخبرته بإبراهيم وقوله وما قالت له، ففارقها وأقام ما شاء الله أن يقيم.
وكانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة فضيعوا حرمة الحرم واستحلوا منه أمورا عظاما ونالوا ما لم يكونوا ينالون، فقام فيهم رجل منهم يقال له عموق، فقال: يا قوم أبقوا على أنفسكم، فقد رأيتم وسمعتم من أهلك من هذه الأمم، فلا تفعلوا، تواصلوا ولا تستخفوا بحرم الله عز وجل وموضع بيته.
فلم يقبلوا ذلك منه، وتمادوا فى هلكة أنفسهم.
ثم إن جرهما وقطوراء، وهما أبناء عم خرجوا سيارة من اليمن، أجدبت البلاد عليهم، فساروا بذراريهم وأموالهم، فلما قدموا مكة رأوا فيها ماء معينا وشجرا ملتفا، ونباتا كثيرا، وسعة من البلاد، ودفئا فى الشتاء.
فقالوا: إن هذا الموضوع يجمع لنا ما نريد.
فأعجبهم ونزلوا به، وكان لا يخرج من اليمن قوم إلا ولهم ملك يقيم أمرهم، سنة فيهم جروا عليها واعتادوها ولو كانوا نفرا يسيرا.
فكان مضاض بن عمرو على قومه من جرهم، وكان على قطوراء السميدع، رجل منهم.
فنزل مضاض بمن معه من جرهم أعلى مكة بقعيقعان «1» فما حاز.
ونزل السميدع بقطوراء أسفل مكة بأجياد «2» ، فما حاز.