من المسلمين- فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذرارى والنساء فجعلوا فى الآطام.
وخرج عدو الله حيى بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بنى قريظة، وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاقده على ذلك وعاهده، فلما سمع كعب بحيى بن أخطب أغلق دونه باب حصنه، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه حيى: ويحك يا كعب افتح لى. فقال: ويحك يا حيى إنك امرؤ مشؤوم، وإنى قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بينى وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا، قال: ويحك افتح لى أكلمك. قال: ما أنا بفاعل. قال والله: إن أغلقت دونى إلا على جشيشتك أن آكل معك منها. فأحفظ الرجل ففتح له فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعز الدهر وببحر طام! جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جنب أحد، قد عاهدونى وعاقدونى على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه.
فقال له كعب: جئتنى والله بذل الدهر، وبجهام قد هراق ماءه فهو يرعد ويبرق وليس فيه شىء، ويحك يا حيى فدعنى وما أنا عليه فإنى لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء.
فلم يزل حيى بكعب يفتله فى الذروة والغارب حتى سمح له، على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك فى حصنك حتى يصيا بنى ما أصابك.
فنقض كعب بن أسد عهده، وبرىء مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ، وهو- يومئذ- سيد الأوس وسعد بن عبادة، وهو- يومئذ- سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير فقال: «انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم؟ فإن كان حقا فالحنوا إلى لحنا أعرفه ولا تفتوا فى أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فأجهروا به الناس» .
فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: من رسول الله؟! لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد؛ فشاتمهم سعد ابن معاذ وشاتموه، وكان رجلا فيه حدة، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم فما بيننا أربى من المشاتمة.