فذهبت فدخلت فى القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه. قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذى إلى جنبى فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان.
وذكر ابن عقبة أنه فعل ذلك بمن يلى جانبيه يمينا ويسارا، قال: وبدرهم بالمسألة خشية أن يظنوا له.
قال حذيفة: ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذى نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإنى مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى: «أن لا تحدث شيئا حتى تأتينى» ثم شئت لقتلته بسهم.
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلى فى مرط «1» لبعض نسائه، فلما رآنى أدخلنى إلى رجليه وطرح على طرف المرط ثم ركع وسجد وإنى لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر.
وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون معه وقد عضهم الحصار، فرجعوا مجهودين فوضعوا السلاح.
فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج.
ويقولون فيما ذكر ابن عقبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى المغتسل عندما جاءه جبريل وهو يرجل رأسه قد رجّل أحد شقيه. فجاءه جبريل على فرس عليه اللأمة حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز، وإن على وجه جبريل لأثر الغبار، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: غفر الله لك! أقد وضعتم السلاح؟ قال: «نعم» . قال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بنى قريظة فإنى عامد إليهم فمزلزل بهم.