حتى أجاز سالما حماره
... مستقبل القبلة يدعو جاره
قوله: «حكم يقضى» يعنى عامر بن ظرب العدوانى، وكانت العرب لا يكون بينها ثائرة ولا عضلة «1» فى قضاء إلا أسندوا ذلك إليه ثم رضوا بما قضى فيه.
فاختصم إليه، فى بعض ما كانوا يختلفون فيه، فى رجل خنثى له ما للرجل وله ما للمرأة، أيجعله رجلا أو امرأة؟ ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه.
فقال: حتى أنظر فى أمركم، فو الله ما نزل بى مثل هذه منكم يا معشر العرب.
فاستأخروا عنه، فبات ليلته ساهرا يقلب أمره وينظر فى شأنه فلا يتوجه له من وجه، وكانت له جارية يقال لها: سخيلة، ترعى عليه غنمه، فكان يعاتبها إذا سرحت فيقول:
صبحت والله يا سخيل. وإذا راحت عليه يقول: مسيت والله يا سخيل. وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها بعض الناس، وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس.
فلما رأت سهره وقلة قراره على فراشه قالت: ما لك لا أبالك! ما عراك فى ليلتك هذه؟! قال: ويلك دعينى، أمر ليس من شأنك. ثم عادت له بمثل قولها، فقال فى نفسه:
عسى أن تأتى مما أنا فيه بفرج. فقال: ويحك، اختصم إلى فى ميراث خنثى، أأجعله رجلا أو امرأة؟ فو الله ما أدرى ما أصنع وما يتوجه لى فيه وجه.
فقالت: سبحان الله! لا أبالك! اتبع القضاء المبال، أقعده، فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل، وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة. قال: مسى سخيل بعدها أو ضحى، فرجتها والله. ثم خرج على الناس حين أصبح، فقضى بالذى أشارت إليه «2» .
وهذا كله من الخبر معترض قطع اتصال حديث صوفة وقصى، فنرجع الآن إليه ونصله بموضع انقطاعه.
حيث ذكر أن صوفة هى التى كانت تلى الإجازة بالناس من منى والدفع بهم من عرفة، وأن قصيا عزم على انتزاع ذلك من أيديهم والقيام به دونهم، واستدعى لمظاهرته على ذلك أخاه رزاحا فوصله مع من ذكر وصوله معه.
فلما كان ذلك العام فعلت صوفة مثل ما كانت تفعل، قد عرفت ذلك لها العرب، وهو دين فى أنفسهم من عهد جرهم وخزاعة.