من اتبع الهدى وآمن به وصدق، وإنى أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبق لك ملكك» . فختم الكتاب، وخرج به شجاع بن وهب.
قال: فانتهيت إلى صاحبه، فأخذه يومئذ وهو مشغول بتهيئة الإنزال والألطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء، حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله تعالى قال: فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة، فقلت لحاجبه: إنى رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حاجبه: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه وكان روميا اسمه مرى يسألنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه، فكنت أحدثه، فيرق حتى يغلبه البكاء، ويقول: إنى قرأت فى الإنجيل، وأجد صفة هذا النبى بعينه فكنت أراه يخرج بالشام، فأراه قد خرج بأرض القرظ، فأنا أؤمن به وأصدقه، وأنا أخاف من الحارث بن أبى شمر أن يقتلنى.
قال شجاع: فكان، يعنى هذا الحاجب، يكرمنى ويحسن ضيافتى ويخبرنى عن الحارث باليأس منه، ويقول: هو يخاف قيصر.
قال: فخرج الحارث يوما فجلس، فوضع التاج على رأسه، فأذن لى عليه، فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، ثم رمى به، وقال: من ينتزع منى ملكى؟ أنا سائر إليه، ولو كان باليمن جئته، على بالناس، فلم يزل جالسا بعرض حتى الليل، وأمر بالخيل أن تنعل، ثم قال: أخبر صاحبك بما ترى. وكتب إلى قيصر يخبره خبرى، فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية الكلبى قد بعثه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه:
أن لا تسر إليه واله عنه ووافنى بإيلياء، قال: ورجع الكتاب وأنا مقيم، فدعانى وقال:
متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ قلت: غدا، فأمر بمائة مثقال، ووصلنى مرى بنفقة وكسوة، وقال: اقرأ على رسول الله منى السلام، وأخبره أنى متبع دينه.
قال شجاع: فقدمت على النبى صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: باد ملكه، وأقرأته من مرى السلام، وأخبرته بما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق» .
قال الواقدى: ومات الحارث بن أبى شمر عام الفتح، وكان نازلا بجلق، ووليهم جبلة ابن الأيهم، وكان ينزل الجابية، وكان آخر ملوك غسان، أدركه عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالجابية فأسلم، ثم إنه لاحى رجلا من مزينة، فلطم عينه، فجاء به المزنى إلى عمر رضى الله عنه وقال: خذ لى بحقى، فقال له عمر: الطم عينه، فأنف جبلة وقال: عينى وعينه سواء؟ قال عمر: نعم، فقال جبلة: لا أقيم بهذه الدار أبدا، ولحق بعمورية مرتدا، فمات هناك على ردته.